كان الرجل قد مات أو عرض له ما فوت شهادته، شهدت المرآتان وحلف المدعى معهما وثبت الحق كما هو مذهب مالك، والظاهر أنه كان مذهب أبي الزناد، وهو مذهب قوي فإن الآية أقامت المرأتين مقام الرجل، وفي (الصحيحين) من حديث أبي سعيد الخدري في قصة خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم العيد ومروره على النساء وموعظته لهن «قال أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن: بلى» وهذا قاضٍ بأن شهادة المرأتين في ما تقبل فيه شهادتهن مثل شهادة رجل، فأما إشتراط الآية لاستشهاد المرأتين أن لا يكون رجل فإنما هو والله اعلم لأن المطلوب في حق النساء الستر والصيانة، والشهادة تستدعي البروز وحضور مجالس الحكام والتعرض لطعن المشهود عليه.
فقد أتضح بحمد الله تبارك وتعالى انه ليس في الآية ما يتجه معه أن يقال إن الحديث مخالف لظاهر القرآن، بل ثبت أن فيها ما يشهد له بالصحة.
وأما المخالفة لبعض الأحاديث الصحيحة فذكروا هاهنا ما جاء في قصة الأشعث بن قيس أنه أدعى على رجل فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«شاهداك أو يمينه» . وحديث (الصحيحين) عن ابن عباس مرفوعاً: «لو يعطى الناس بدعواهم لأدعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه» لفظ مسلم.
والجواب على الحديث الاول: أنه في (الصحيحين) وغيرهما من طريق أبي وائل شقيق ابن سلمة عن الاشعث بن قيس، وأختلفت ألفاظ الرواة في مقاله النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ففي رواية «شاهداك أو يمينه» ، وفي أخرى «بينتك أو يمينه» وفي ثالثة أنه بدأ فقال للأشعث: ألك بينة؟» قال الأشعث: قلت: لا، «قال فيحلف» هكذا في (صحيح البخاري) في «كتاب الأحكام» في «باب الحكم في البشر» من طريق سفيان الثوري عن منصور والأعمش عن أبي وائل، وهكذا رواه أبومعاوية عن الأعمش إلا أنه قال:«فقال لليهودي: احلف» . أخرجه البخاري في «كتاب الشهادات» من (صحيحيه) ، «باب سؤال الحاكم المدعي: ألك بينة؟» .