عليه الحديث، فالآية تدل على صحة الحديث، لأنه لو لم يكن صحيحاً لما كان هناك ما يحصل به ما اقتضته الآية.
الفائدة الثانية: أن ذلك أحوط للحق، إذ لوأستشهد رجل واحد فقط فقد يموت قبل أداء الشهادة، أو يعرض له ما تفوق به شهادته، كالجنون أو النسيان أو الفسق أو الغيبة، فإذا كانا إثنين فالغالب أنه لا يعرض لهما ذلك معاً، وهذه أدنى درجات الاحتياط نبهت عليها الآية، ولم تمنع مما فوقها، بل في هذا إشارة إلى أنه إذا اقتضت الحال ينبغي مظاهرة الاحتياط، وذلك كأن تكون مدة الدين طويلة كخمس عشرة سنة، ووجد شاهدان شيخين كبيرين فينبغي الزيادة في عدد الشهود بحيث يغلب أنهم لا يموتون جميعاً قبل حلول الدين، أو يعرض لهم جميعاً ما تفوت به شهادتهم.
الفائدة الثالثة: إن الشاهد الواحد لا يثبت به الحق بل لا بد معه من اليمين، وقد يكبر على المدعي أن يحلف خشية أن يتهمه بعض الناس، أو لأنه قد نسي القضية أو صفتها، أو لأنه لم يحضرها وإنما حضرها مورثة الذي قد مات، وقد يجن الدائن أو يموت ويكون وارثه صبياً أو مجنوناً فتتعذر اليمين وقت المطالبة فيتأخر القضاء بالحق إلى أن يكمل صاحبه اويموت.
فإن قيل: ذكر البخاري في (الصحيح) عن ابن شبرمة انه أحتج على أبي الزناد بالآية وذكر قوله تعالى «أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى» قال: «قلت: إذا كانت يكتفى بشاهد شاهد ويمين المدعي فما يحتاج أن تذكر أحدهما الأخرى؟ ما كان يصنع بذكر هذه الاخرى؟» .
قلت: قد تقدم ما يعلم منه الجواب، ولا بأس بإيضاحه فأقول: يصنع بذكر الأخرى أنه إذا كان الرجل باقياً حاضراً جائز الشهادة أن تتم فيكون ذلك أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأبعد عن الارتياب. ولا يتوقف ثبوت الحق على يمين المدعي وقد تكبر عليه أو تتعذر منه فيضيع الحق، أو يتأخر كما تقدم، وإن