أقول: قد عرفت ابن طاهر فأما مكي الرميلي الذي حكى ابن طاهر القصة عنه فحافظ فاضل شافعي كالخطيب ومن تلامذة الخطيب المعظمين له، ترجمته في (تذكرة الحفاظ) ج٤ ص ٢٢ و (الطبقات الشافعية) ج ٤ ص ٢٠ وذكروا أنه سمع من الخطيب بصور، ثم سمع منه ببغداد كما يعلم من (ترجمة الخطيب) ، وكان مبجلاً للخطيب روى ابن عساكر عنه أنه رأى في المنام لما كانوا يقرؤون على الخطيب (تاريخه) ببغداد أنه حضر مجلس الخطيب القراءة التاريخ على العادة فرأى رجلاً لم يعرفه، فسأل عنه فقيل له هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ليسمع (التاريخ) . انظر الرؤيا مبسوطة في (طبقات الشافعية) ج ٣ ص١٥ وذكرها الذهبي في (تذكرة الحفاظ) ج ٣ ص٣٢١ قال: «قال غيث الأرمنازي قال مكي الرميلي: كنت ببغداد نائماً في ليلة ثاني عشر في ربيع الأول ثلاث وستين فرأيت كأنا عند الخطيب لقراءة (تاريخه) على العادة ... » .
ويؤخذ مما تقدم أن الرميلي لم يلق الخطيب إلا بعد خروج الخطيب من دمشق فلم يحضر الرميلي ذلك الخروج فهل أخبره الخطيب بسبب إخراجه؟
قد عرفنا الخطيب وعرفنا الرميلي وعرفنا ابن طاهر فما الذي يتوقع من الخطيب بعد شيخوخته؟ وما الذي يتوقع أن يخبر به عما جرى له؟ وما الذي يتوقع أن يخبر به الرميلي عن أستاذه المبجل؟ وما الذي يتوقع من ابن طاهر؟
أما السؤال الأول فالعادة قاضية أن العالم الفاضل المستغرق في العلم الذي قضى عامة عمره في صيانة ونزاهة يمتنع أن يعرض له بعد شيخوخته داء العلاقة بالصبيان.
وأما الثاني: فمن عرف الخطيب ونزاهته وصيانته وعقله وتحفظه علم امتناع أن يخبر في شيخوخته بما يشينه شيئاً مزرياً.
وأما الثالث: فيبعد جدا أن يحكى الرميلي ما يشين أستاذه الذي يبجله ذاك التبجيل.