المديني بالبصرة:«إلى عالمه» ونبه على الخطأ فيما يظهر، ثم كأن الجهمية عرفوا ذلك فألزموا ابن المديني أن يرويه بلفظ «إلى خالقه» قائلين: إنك قد سمعت مرة كذلك، فإذا رويته كذلك لم يكن فيه كذب. فاضطر إلى إجابتهم، فسأله عباس العنبري فأجابه بقوله:«قد حدثتكم بالبصرة» وذكر أن الوليد أخطأ فيه. فذكروا للإمام أحمد أن ابن المديني روى بلفظ «إلى خالقه» ، فقال:«كذب» يريد أحمد أن ابن المديني يعلم أن الصواب «إلى عالمه» وأن كلمة: «إلى خالقه» كذب وقع من الوليد خطأ. وفي الحديث الصحيح:«من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين» ، فقيل لأحمد: «إن عباساً العنبري قال لما حدث به علي بـ (العسكر) قلت: إن الناس أنكروه عليك، فقال: قد حدثتكم به بالبصرة. وذكر أن الوليد أخطأ فيه» فغضب أحمد وقال:«نعم، قد علم أن الوليد أخطأ فلمَ أراد أن يحدثهم به؟ يعطيهم الخطأ» وعذره في هذا ما قدمناه.
فأما ترك أحمد وأبي زرعة الرواية عن علي بعد أن وقعت المحنة فقد تقدم الجواب عنه في ترجمة إسماعيل بن إبراهيم بن معمر. وأما قول الأستاذ:«ونحسب أنه لم يعد ولن يعد» فكأنه يشير إلى أن الدعاة كانوا على حق وأن ابن المديني سايرهم عارفاً أنهم على حق والحق لا يحتاج الإنسان إلى أن يعد عن اختياره له جواباً. فإن كان هذا مغزى الأستاذ فالكلام فيه مشروح في قسم الاعتقاديات.
وأما ما ذكره الأزدي، فالأزدي نفسه متهم، ولا ندري مع ذلك ما سنده إلى ابن المديني، وهل أن ذلك صح فلا يدفع رواية ولد ابن المديني عن أبيه، فإن كثيراً من الأئمة تختلف أقوالهم في الرجال توثيقاً وجرحاً، إما لتغيير الاجتهاد، وإما لأن إحدى الكلمتين أريد بها خلاف ما يظهر منها، وإما لغير ذلك، كأنه يقال هنا: كان دعاة المحنة حنفية، وكانوا ينسبون مقالتهم التي امتحنوا الناس فيها إلى أبي حنيفة ويدعون إلى مذهبه في الفقه كما مرت الإشارة إلى طرف منه في ترجمة سفيان الثوري، فكأنهم استكرهو اابن المديني على أن يثني على أبي حنيفة ويوثقه فاضطر إلى أن يوافقه وقد يكون ورَّى فقصد بكلمة:«ثقة» معنى أنه لم يكن