وحديث أبي هريرة في (صحيح البخاري) وفيه: «ثم يغتسل فيه» فقد يقال من جانب الحنفية: ها هنا ثلاث قضايا:
الأولى: فرق الحديث بين الراكد وغيره وهو قولنا.
الثانية: دلّ على البول في الماء الراكد ينجسه، ولم يشترط التغير فهو حجة لنا على من يشترطه.
الثالثة: قال في رواية البخاري: «ثم يغتسل فيه» وهو ظاهر في شمول الحكم للماء الذي يمكن الإنسان أن يغتسل فيه، ولابد أن يكون أكثر من قلتين فهو حجة لنا على من يقول بالقلتين.
أقول: أما القضية الأولى فدلالة الحديث على التفرقة إنما هي بمفهوم المخالفة، والحنفية لا يقولون بها فيلزمهم إلحاق الجاري بالراكد قياسياً أو يقيموا على مخالفته دليلاً آخر. أما نحن فنقول بدلالة مفهوم المخالفة ولكننا نقول ليس وجه المخالفة ما توهمه الحنفية أو بعضهم حتى قال بعضهم «إناءان ماء أحدهما طاهر، والآخر نجس فصبا من مكان عال فاختلطا في الهواء ثم نزلا طهر كله! ولو أجرى ماء الإناءين في الأرض صار بمنزله ماء جار» وقال بعضهم «لو حفر نهراً من حوض صغير أو صب رفيقه الماء في ميزاب وتوضأ فيه وعند طرفة الآخر إنا يجتمع فيه الماء جاز توضؤه به ثانياً وثم وثم» وذكروا أن هذا معتبر حتى على القول بنجاسة الماء المستعمل، وقضية هذا أنه لو عمد إلى جرة يصب الماء منها في ميزاب وقعد آخر على وسط الميزاب يبول يبول فيه ويسيل بوله مع الماء وعلى طرف الميزاب إناء يجتمع فيه ذاك الماء كان ذاك الماء الذي خالطه البول واجتمع في ذاك البول الإناء طاهراً مطهراً مع أنه لو وضع في الجرة ابتداء. شيء يسير من ذاك البول لصار ماؤها نجساً! ولا يخفى أن مثل هذا الفرق لا يعقل له وجه، وإنما الماء الجاري الخارج بمفهوم المخالفة في الحديث هو بمقتضى التبادر والنظر ما كان جارياً بطبعه كالأنهار والعيون مما ليس مفسدة البول فيه كمفسدة البول في الراكد فإن الراكد