للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثلاثا من قلال العراق تعادل القلتين اللتين يحمل عليهما الحديث.

ثالثها: عن مسروق قال: «إذا بلغ الماء كذا لم ينجسه شيء» ونحوه عن ابن سيرين وأبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، وهؤلاء عراقيون فإما أن يكونوا لم يحققوا مقدار القلتين في الحديث بقلال العراق فأجملوا، وإما أن يكون كل منهم أشار إلى ماء معّين فأراد بقوله: «كذا» أي بمقدار هذا الماء المشار إليه، وقد ثبت بقولهم أنهم يرون التقدير، ولأن يحمل ذلك على التقدير المنقول عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى من أن يحمل على تقدير لا يعلم له مستند من الشرع.

رابعها: عن عبد الله بن عمرو بن العاص ذكر أربعين قلة، وروي مثله من وجه ضعيف عن أبي هريرة، وقيل عنه أربعين غرباً (١) ، وقيل، أربعين دلواً. وهذا القول يحتمل معنيين، الأول: المعنى المعروف لحديث القلتين، والمعنى الثاني أن ما بلغ الأربعين لا ينجس البتة، إلا مخالطة نجاسة لا تغير أحد أوصافه، لأنه قلتان وأكثر، ولا بمخالطة نجاسة تغير أحد أوصافه لأن ذلك لا يقع عادة، إذ لا يعرف ذاك العصر ببلاد العرب ماء يبلغ أربعين أو أزيد تقع فيه نجاسة تغيره. والمعنى الأول يحتاج إلى الاستثناء من منطوقه فيقال: إلا أن يتغير، ومن مفهومه فيقال: إلا بعض النجاسات كميتة ما لا دم له سائل، مع ذلك لا يكون لمفهومه مستند معروف من الشرع بل المنقول عن الشرع خلافه.

وأيضاً فلم يذهب إليه أحد من الفقهاء. فأما أن يترجح المعنى الثاني وتكون فائدة ذاك القول أن من ورد ماء فوجده متغيراً فإن كان من الكثرة بحيث لا يعرف عادة أن تقع فيه نجاسة تغيره فله استعماله بدون بحث، وإن كان دون ذلك فعليه أن يتروى ويبحث، وإما أن يحمل على المعنى الأول ويطرح مفهومه ويقال: لعل ذاك القول كان عند سؤال عن ماء بذاك المقدر وقعت فيه نجاسة ولم تغيره، فذكر الأربعين لموافقة الواقع لا للتقيد.


(١) الغرب: هو إناء من جلد البقر يستخرج به الماء من الآبار.

<<  <  ج: ص:  >  >>