وفرعون عندما قال لهامان:"ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (*) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا"، كان السخف في قوله وتصوره وعقله لا فيمن حكى هذا السخف وذلك الهراء عنه، فالمسؤول عن سخف السؤال عن مائة ألف مسألة: هو الخراساني السائل والمستمع المتهيء للإجابة، فالانصاف تحميل كل مسؤول مسؤوليته عن عمله، لا تبرئة المجرم وتحميل جرمه للبريء.
ولو كنا نكذب الرواة الذي يروون جزاف المجازفين، وحماقة الحمقى، وإغراب المغربين، لما صح لنا شيء عن مجازف ولا أحمق ولا مجنون ولا دونت الغرائب والعجائب. كذلك حكاية كتابة ابن أبي ليلى إلى أبي جعفر المنصور الخليفة العباسي، حينما كان أبو جعفر بالمدينة، بشهادة حماد ابن أبي سليمان عنده على قول أبي حنيفة بخلق القرآن، وأن أبا جعفر أمر بضرب عنقه إن شهد عليه آخر مع حماد، يحاول الكوثري ردها بما جاء فيها: أن أبا جعفر كان بالمدينة، فنسج له خياله أن ذلك كان في أيام هشام بن عبد الملك في العصر الأموي قبل أن تولد الدولة العباسية بزمن ليس باليسير، وقبل أن يعرف أبو جعفر؛ فإن كان في الدنيا عجب عجاب فهذا نموذج منه، وإن كان في الدنيا قلب للحقائق وإنكار للشمس في ضحى النهار، فهاك مثالا له، كأن أبا جعفر المنصور العباسي لم يدخل المدينة ولا وطئتها قدماه أيام خلافته لا في حج ولا زيارة ولا غيرها، ولا عرف المدينة إلا في عهد هشام كما تخيله الكوثري، وكأن ابن أبي ليلى قاضي الكوفة بلغ من البلاهة وهو القاضي الذي يعرف من يكتب إليه ومن بيده تنفيذ ما يكتب، فيكتب إلى رجل مدسوس مغمور لا يملك من سلطة المسلمين والحكم فيهم قطمير ولا نقير؛ يكتب من الكوفة التي هو قاض فيها، متعديا عامل الكوفة وأميرها ومتعديا ملك المسلمين وخليفتهم حيث هو إلى رجل ليس له من الأمر شيء، هو أبو جعفر المنصور في عصر هشام بن عبد الملك الأموي، ربما كان فتى يطلب العلم ليس بيده من السلطة ولا سلطة شرطي، فيكتب إليه قاضي الكوفة في