للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تقوم بالجزم، فكانوا يجزمون فيما لا يرون للشك فيه مدخلاً، ويقفون عن الجزم لأدنى احتمال، روي أن شعبة سأل أيوب السختياني عن حديث فقال: أشك فيه، فقال شعبة: شكك أحب إلي من يقين غيرك. وقال النضر بن شميل عن شعبة لأن أسمع من ابن عون حديثاً يقول فيه «أظن أنه سمعته أحب إليَّ من أن أسمع من ثقة غيره يقول: قد سمعت. وعن شعبة قال: «شك ابن عون وسليمان التيمي يقين» .

وذكر يعقوب بن سفيان حماد بن زيد فقال: معروف بأنه يقصر في الأسانيد ويوقف المرفوع كثيراً الشك بتوقيه، وكان جليلاً، لم يكن له كتاب يرجع إليه فكان أحياناً يذكر فيرفع الحديث وأحياناً يهاب الحديث ولا يرفعه. وبالغ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب فكان إذا سئل عن شيء لا يجيب حتى يرجع إلى الكتاب. قال أبو طاهر السلفي: سألت أبا الغنائم النرسي عن الخطيب فقال: «جبل لا يسأل عن مثله ما رأينا مثله، وما سألته عن شيء فأجاب في الحال إلا يرجع إلى كتابه» .

وإذا سبق إلى نفس الإنسان أمر - وإن كان ضعيفاً عنده - ثم اطلع على ما يحتمل موافقة ذلك السابق ويحتمل خلافه فإنه يترجح في نفسه ما يوافق السابق، وقد يقوي ذلك في النفس جداً وإن كان ضعيفاً. وهكذا إذا كانت نفس الإنسان تهوى أمراً فاطلع على ما يحتمل ما يوافقه وما يخالفه فإن نفسه تميل إلى ما يوافق هواها، والعقل كثيراً ما يحتاج عند النظر في المحتملات والمتعارضات إلى استفتاء النفس لمعرفة الراجح عندها، وربما يشتبه على الإنسان ما تقضي به نفسه بما يقضي به عقله، فالنفس بمنزلة المحامي عندما تميل إليه، ثم قد تكون هي الشاهد وهي الحاكم. والعالم إذا سخط على صاحبه فإنما يكون سخطه لأمر ينكره فيسبق إلى النفس ذاك الإنكار وتهوى ما يناسبه ثم تتبع ما يشاكله وتميل عند الاحتمال والتعارض إلى ما يوافقه، فلا يؤمن أن يقوي عند العالم جرح من هو ساخط عليه لأمر لولا السخط لعلم أنه لا يُوجب الجرح وعلة الحديث متثبتون ولكنهم غير معصومين عن الخطأ وأهل العلم يمثلون لجرح الساخط بكلام النسائي في أحمد بن

<<  <  ج: ص:  >  >>