المعدل عن العدالة الظاهرة لا ينفي صدق قول الجارح.. ولأن من عمل بقول الجارح لم يتهم المزكي ولم يخرجه بذلك عن كونه عدلاً ومتى لم نعمل بقول الجارح كان في ذلك تكذيب له ونقص لعدالته وقد علم أن حاله في الأمانة مخالفة لذلك» .
أقول: ظاهر كلام الخطيب أن الجرح المبين السبب مقدم على التعديل، بل يظهر مما تقدم عنه في القاعدة الخامسة من قبول الجرح المجمل إذا كان الجارح عارفاً بالأسباب واختلاف العلماء أن الجارح إذا كان كذلك قدم جرحه الذي لم يبين سببه على التعديل لكن جماعة من أهل العلم قيدوا الجرح الذي يقدم على التعديل بأن يكون مفسراً، والدليل المذكور يرشد إلى الصواب فقول الجارح العارف بالأسباب والاختلاف: ليس بعدل، أو: فاسق، أو: ضعيف أو: ليس بشيء، أو: ليس بثقة، هل يجب أن لا يكون إلا عن علم بسبب موجب للجرح إجماعاً؟ أو لا يحتمل أن يكون جهل أو غفل أو ترجح عنده مالا نوافقه عليه؟ أو ليس في كل مذهب اختلاف بين فقهائه فيما يوجب الفسق؟ فإن بين السبب فقال مثلاً: قاذف، أو قال المحدث: كذاب، أو: يدعى السماح ممن لم يسمع منه، أفليس إذا كان المتكلم فيه راوياً قد لا يكون المتكلم قصد الجرح وإنما هي فلتة لسان عند ثورة غضب أو كلمة قصد بها غير ظاهرها بقرينة الغضب؟ أو لم يختلف الناس في بعض الكلمات أقذف هي أم لا؟ حتى إن فقهاء المذهب الواحد قد يختلفون في بعضها. أو ليس قد يستند الجارح إلى شيوع خبر قد يكون أصله كذبة فاجر أو قرينة واهية كما في قصة الإفك؟ وقد يستند التحدث إلى خبر واحد يراه ثقة وهو عند غير ثقة، أو ليس قد يبني المحدث كلمة «كذاب» أو «يضع الحديث» أو «يدعي السماع ممن لم يسمع منه» على اجتهاد يحتمل الخطأ؟ فان فصل الجارح القذف أفليس قد يكون القذف لمستحقه؟ أو ليس قد يكون فلتة لسان عند سورة غضب كما وقع من محمد بن الزبير أو من أبي الزبير محمد بن مسلم بن تدرس على ما رواه أبو داود الطيالسي عن شعبة وكما وقع من أبي حصين عثمان بن عاصم فيما