الحكاية الثانية فيأتي النظر فيها في ترجمة محمد بن جابر إن شاء الله تعالى.
وأما الجوزجاني فحافظ كثير متقن عارف وثقه تلميذه النسائي جامع «خصائص علي» وقائل تلك الكلمات في معاوية، ووثقه آخرون، فأما ميل الجوزجاني إلى النصب فقال ابن حبان في (الثقات)«كان حريزي المذهب ولم يكن بداعية وكان صلبا في السنة ... إلا أنه من صلابته ربما كان يتعدى طوره» وقال ابن عدي شديد الميل إلى مذهب أهل دمشق في الليل على علي» .
وليس في هذا ما يبين درجته في الميل، فأما قصة الفروجة فقال ابن حجر في «تهذيب التهذيب» : «قال السلمي عن الدارقطني بعد أن ذكر توثيقه: لكن فيه انحراف عن علي اجتمع علي بابه أصحاب الحديث فأخرجت جارية له فروجة ... » فالسلمي هو محمد بن الحسين النيسابوري ترجمته في (لسان الميزان) ج ٥ ص١٤٠ تكلموا فيه حتى رموه بوضع الحديث، والدارقطني إنما ولد بعد وفاة الجوزجاني ببضع وأربعين سنة وإنما سمع الحكاية على ما في معجم البلدان (جوزجانان) من عبد الله بن أحمد بن عدبس ولابن عدبس ترجمة في (تاريخ بغداد) ج ٩ ص ٣٨٤ و (تهذيب تاريخ ابن عساكر) ج ٧ ص ٢٨٨ ليس فيها ما يبين حاله فهو مجهول الحال فلا تقوم بخبره حجة، وفوق ذلك فتلك الكلمة ليست بالصريحة في البغض فقد يقولها من يرى أن فعل علي عليه السلام خلاف الأولى أو أنه اجتهد فأخطأ، وفي (تهذيب التهذيب) ج ١٠ ص ٣٩١ عن ميمون بن مهران قال: «كنت أفضل علياً على عثمان فقال عمر بن عبد العزيز أيهما أحب إليك رجل أسرع في المال أو رجل أسرع في كذا - يعني الدماء قال فرجعت وقلت: لا أعود» ، وهذا بين في أن عمر بن عبد العزيز وميمون بن مهران كانا يريان فعل علي خلاف الأولى أو خطأ في الاجتهاد، ولا يعد مثل هذا نصبا إذ لا يستلزم البغض بل لا ينافي الحب، وقد كره كثير من أهل العلم معاملة أبي بكر الصديق لمانعي الزكاة معاملة المرتدين ورأوا أنه أخطأ، وهم مع ذلك يحبونه ويفضلونه.