الإنصاف؟ قال: بل الإنصاف، قلت: فما الحجة عندكم؟ قال: الكتاب والإجماع والسنة والقياس، قال: قلت: أنشدك أصاحبنا أعلم بكتاب الله أم صاحبكم؟ قال: إذ أنشدتني بالله فصاحبكم، قلت: فصاحبنا أعلم بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم صاحبكم؟ قال: صاحبكم، قلت: فبقي شيء غير القياس؟ قال: لا، قلت: فنحن ندعي القياس أكثر مما تدعونه وإنما يقاس على الأصول فيعرف القياس، قال: ويريد بصاحبه مالك بن أنس» .
ثم نقل عن (كتاب ذم الكلام) للهروي رواية أخرى من طريق الربيع عن الشافعي وبين الألفاظ اختلاف كما هو شأن الرواية بالمعنى، ومثل ذلك يكثر في رواية الأحاديث النبوية كما سترى أمثلته في «قسم الفقهيات» من هذا الكتاب، فما بالك بالحكايات؟
وأثبت هذه الروايات وأولاها بأن يكون متنها هو اللفظ الذي قاله الشافعي رواية ابن أبي حاتم لجلالته ولأنه أثبتها في موضعين من كتابه بلا فرق فدل ذلك أنه أثبتها في أصله عند تلقيها من ابن عبد الحكم ثم نقلها بأمانتها إلى كتابه المصنف. فأما بقية الروايات فلم تقيد في كتاب إلا بعد زمان بعد أن تداولها جماعة من الرواة وذلك مظنة بالتصرف على جهة الرواية بالمعنى، نعم رواية الخطيب من طريق الأبار عن يونس مقيدة في مصنف للأبار يرويه الخطيب بذاك السند لكن لم يقم دليل على أن الأبار أثبتها في أصله عند السماع إلا أن رواية ابن عبد البر دلت على ضبط الأبار، وإنما الظاهر أن يونس لم يكتب الحكاية عند سماعها من الشافعي ولم يتقن حفظها فاتسع في روايتها بالمعنى واحتاط.
وإيضاح ذلك أن القصة مبنية على المفاضلة، والمفاضلة قد يعبر عنها بالجمع كأن يقال:«أيهما أعلم» وقد يعبر عنها بالتفريق كأن يقال: «وأما كان فلان كذا» ثم يقال في الآخر: «فهل كان فلان كذا» على الوجه الذي يؤدي التفضيل فرواية ابن عبد الحكم من طرقها الثلاث، وكذا رواية الربيع سلكت طريق الجمع «أيهما أعلم» أما يونس فسلك طريق التفريق فوقع في روايته عند الخطيب وابن عبد البر: «هل