وقول الأستاذ:«كان سيئ الحفظ لم يقلها أحد قبله أيضاً، وإنما المعروف أن جريراً كان لا يحدث من حفظه إلا نادراً، وإنما يحدث من كتبه، ولم ينكروا عليه شيئاً حدث به من حفظه، وأثنوا على كتبه بالصحة، فأما ما حكاه العقيلي عن أحمد أنه قال «لم يكن بالذكي اختلط عليه حديث أشعث وعاصم الأحول حتى قدم عليه بهز فعرفه» فقد ذكر هذا لابن معين فقال: «ألا تراه قد بينها» يعني أن جريراً بين لمن بروي عنه أن حديث أشعث وعاصم اختلط عليه حتى ميز له بهز ذلك، وعلى هذا فلم يحدث عنهما حتى ميز له بهز فكان يحدث عنهما ويبين الحال، وهذا هو محض الصدق والنصيحة والضبط والإتقان، فإنه لا يطلب من المحدث أن لا يشك في شيء وإنما المطلوب منه أن لا يحدث إلا بما يتقنه فإن حدث بما لا يتقنه بين الحال، فإذا فعل ذلك فقد أمنا من غلطة وحصل بذلك المقصود من الضبط.
فإن قيل فإنه يؤخذ من كلامهم أنه لم يكن يحفظ وإنما اعتماده على كتبه.
قلت: هذا لا يعطي ما زعمه الأستاذ «أنه كان سيئ الحفظ» فان هذه الكلمة إنما تطلق في صدد القدح فيمن لا يكون جيد الحفظ ومع ذلك يحدث من حفظة فيخطئ، فأما من لا يحدث من حفظه إلا بما أجاد حفظه كجرير فلا معنى للقدح فيه بأنه لم يكن جيد الحفظ.
وأما قول الأستاذ:«انفرد برواية حديث الأخرس الموضوع» فهذا تقليد من الأستاذ للشاذ كوني فانه هو الذي حكم على ذلك الخبر بأنه موضوع، والشاذ كوني قد عرفت حاله، فأما الخبر فإنما حدث به جرير عن مغيرة قوله كما في (الميزان) عن عثمان ابن أبي شيبة، وليس بموضوع ولا ضعيف، سواء أتوبع عليه جرير أم لم يتابع، فإنه لا ينكر لمثل جرير أن يتفرد بحديث مرفوع، فضلاً عن شيء من قول مغيرة بن مقسم.
وأما قول الأستاذ «والكلام فيه طويل الذيل» . فلم يبق إلا كلام الموثقين! قال الإمام أحمد «جرير أقل سقطاً من شريك، وشريك كان يخطئ» وقال ابن معين