أشأم على الأمة منه. كان الثوري والأوزاعي كجمهور الأئمة قبلها وفي عصرهما يريان الإرجاء ورد السنة بالرأي والقول ببعض مقالات الجهمية كل ذلك ضلالة من شأنها أن يشتد ضررها على الأمة في دينها ودنياها ورأيا صاحبكم وأتباعه مخطئين أو مصيبين جادين في نشر ذلك ولا تزال مقالاتهم تنتشر وتجر إلى ما هو شر منها حتى جرت قوما إلى القول بأن أخبار الآحاد مردودة مطلقا وآخرين إلى رد الأخبار مطلقا كما ذكره الشافعي ثم جرت إلى القول بأن النصوص الشرعية لا يحتج بها في العقائد! ثم إلى نسبه الكذب إلى أنبياء الله عز وجل وإليه سبحانه كما شرحته في قسم الاعتقاديات.
شاهد الثوري والأوزاعي طرفا من ذلك ودلتهما الحال على ما سيصير إليه الأمر فكان كما ظنا وهل كانت المحنة في زمن المأمون والمعتصم والواثق إلا على يدي أصحابكم ينسبون أقوالهم إلى صاحبكم؟ وفي كتاب (قضاة مصر) طرف من وصف ذلك. وهل جر إلى استفحال تلك المقالات إلا تلك المحنة؟ وأي ضر نزل بالأمة أشد من هذه المقالات؟
فأما سقوط مذهبيهما، فخيرة اختارها الله تبارك وتعالى لهما، فإن المجتهد قد يخطئ خطأ لا يخلو عن تقصير، وقد يقصر في زجر أتباعه عن تقليده هذا التقليد الذي نرى عليه كثيراً من الناس منذ زمان طويل، الذي يتعسر أو يتعذر الفرق بينه وبين اتخاذ الإجبار والرهبان أرباباً من دون الله، فقد يلحق المجتهد كفل من تلك التبعات، فسلم الله تعالى الثوري والأوازعي من ذلك، فأما ما يرجى من الأجر على الإتباع في الحق فلهما من ذلك النصيب الأوفر بما نشراه من السند علماً وعملاً، وهذه الأمهات الست المتداولة بين الناس حافلة بالأحاديث المروية من طريقهما وليس فيها لصاحبكم ومشاهير أصحابه حديث واحد! وقد قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري في (تاريخه الكبير) في ترجمة الثوري «قال لنا عبدان عن ابن المبارك: كنت إذا شئت رأيت سفيان مصلياً، وإذا شئت رأيته محدثاً، وإذا شئت رأيته في غامض الفقه. ومجلس شهد (في التاريخ الصغير ص ١٨٧: شهدته)