السجستاني يقول: ومن البلاء أن عبد الله يطلب القضاء» . كان أبو داود على طريقة كبار الأئمة من التباعد عن ولاية القضاء، فلما طلبه ابنه كره ذلك ومن الجائز إن صح أنه قال:«كذاب» أن يكون إنما أراد الكذب في دعوى التأهل للقضاء والقيام بحقوقه. ومن عادة الأب الشفيق إذا رأى من ابنه تقصيراً أن يبالغ في تقريعه. وقد قال الأستاذ ص١٦٣. «الإخبار بخلاف الواقع هو الكذب والكذب بهذا المعنى يشمل الغالط والواهم ... فلا يعتد بقول من يقول: فلان يكذب. ما لم يفسر وجه كذبه» .
وأما ابن صاعد وابن جرير فلم أجد لهما كلاماً غير قول الأول:«كفانا ما قال أبوه فيه» وقد تقدم. وقول الثاني لما قيل له: إن ابن أبي داود يقرأ على الناس فضائل علي بن أبي طالب: «تكبيرة من حارس» وهذا ليس بجرح إنما مقصوده أنه كما أن الحارس قد يقول رافعاً صوته: الله أكبر، لا ينوي ذكر الله عز وجل وإنما يقصد أن يسمع السراق صوته فيعرفوا أنه موجود يقظان فلا يقدموا على السرقة، فكذلك قد يكون بن أبي داود يروي فضائل علي ليدفع عن نفسه ما رماه بعض الناس من النصب وهو بغض علي رضي الله عنه. وقد قال الذهبي في (التذكرة) : «لا ينبغي سماع قول ابن صاعد فيه، كما لم يعتد تكذيبه لابن صاعد، وكذا لا يسمع قول ابن جرير فيه، فإن هؤلاء بينهم عداوة بينة» .
أقول وقد قدمت تحقيق هذا البحث في القواعد.
وأما ابن الأصبهاني، فقال ابن عدي: «سمعت موسى بن القاسم الأشيب يقول: حدثني أبو بكر سمعت إبراهيم الأصبهاني يقول: أبو بكر بن أبي داود كذاب، أبو بكر شيخ الأشيب يحتمل أن يكون هو ابن أبي الدنيا لأنه ممن يروي عن إبراهيم وممن يروي عنه الأشيب، ويحتمل أن يكون غيره لأن أصحاب هذه الكنية في ذاك العصر ببغداد كثيرون ولم يشتهر ابن أبي الدنيا بهذه الكنية بحيث إذا ذكرت وحدها في تلك الطبقة ظهر أنه المراد، فعلى هذا لا يتبين ثبوت هذه الكلمة عن ابن الأصبهاني. وابن أبي داود إن كان سنة عند وفاة الأصبهاني سنة ٢٦٦ فوق