وبعد فقد كانت أم سلمة رضي الله عنها أتم أمهات المؤمنين ولاء لفاطمة عليها السلام وللحسن والحسين وأبيهما، وكان علي رضي الله عنه يثق بعظم ولائها وبعقلها ورأيها ودينها فكان يستنصحها ويستشيرها، فقد يكون بعض الناس روى أن علياً كان يتردد عليها ذلك فأخذ بعض أعداء الله تلك الحكاية وغيرها ذاك التغيير الفاجر، كما غير بعضهم حديث «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» فجعل بدل هارون قارون كما تراه في ترجمة حريز بن عثمان. وكان من عادة المحدثين التباهي بالإغراب يحرص كل منهم على أن يكون عنده من الروايات ما ليس عند الآخرين لتظهر مزيته عليهم وكانوا يعتنون شديداً لتحصيل الغرائب ويحرصون على التفرد بها كما ترى في ترجمة الحسن بن علي المعمري من (لسان الميزان) وغيره، وكانوا إذا اجتمعوا تذاكروا فيحرص كل واحد منهم على أن يذكر شيئاً يغرب به على أصحابه بأن يكون عنده دونهم، فإذا ظفر بذلك افتخر به عليهم واشتد سروره وإعجابه وانكسارهم. وقد حكى ابن فارس عن الوزير أبي الفضل ابن العميد قال:«ما كنت أظن في الدنيا كحلاوة الوزارة والرياسة التي أنا فيها حتى شاهدت مذاكرة الطبراني وأبي بكر الجعابي ... » فذكر القصة وفيها غلبة الطبراني قال ابن العميد «فخجل الجعابي، فوددت أن الوزارة لمتكن وكنت أنا الطبراني وفرحت كفرحه» راجع (تذكرة الحفاظ) ج٣ ص١٢١. ولم يكونوا يبالغون في سبيل إظهار المزية والغلبة أكان الخبر عن ثقة أو غيره، صحيحاً أو غير صحيح؟ وقد كان عند زكريا الساجي حديث عن رجل واه ومع ذلك لما لم يوجد ذاك الحديث إلا عند الساجي صار له به شأن. وفي (لسان الميزان) : «قال الساجي: كتب عني هذا الحديث البزاز وعبدان وأبو داود وغيرهم من المحدثين. قال القراب: هذا حديث الساجي الذي كان يسأل عنه» . وكانت طريقتهم في المذاكرة أن يشير أحدهم إلى الخبر الذي يرجو أنه ليس