المشهور الذي وضع على لسان الشافعي نحو مائتي حديث ولم يرو الشافعي شيئاً من ذلك أصلاً، لكن الخطيب لا يتورع أن يروي بطريقه في مثالب أبي حنيفة كما لا يتحرج أن يروي بطريقه في مناقب الشافعي ... ولولا مثل هذه الأمور المكشوفة لما كانت السهام المصوبة إلى نحر الخطيب لتصيب المقتل منه» .
أقول: أما الجزم بأنه ليس أبا الشيخ ففي محله، وأما الجزم بأنه القزويني فليس بجيد لأنهم لم ينصوا على أنه يروي عن هارون ولا على أن ابن السني يروي عنه، وكتب الرجال التي بين أيدينا لم تستوعب الرواة، نعم يظهر من كلام الذهبي في خطبة (الميزان) أنه استوعب المتكلم فيهم، أن من لم يذكره فهو إما ثقة وإما مستور، ومعلوم أن ذلك بحسب ما وقف عليه ولم يغفل عنه، وقد استدرك عليه من بعده جماعة ووقفت أنا في الكتب الأخرى على أفراد مضعفين لم يذكروا في (لسان الميزان) . وحاول جماعة استيعاب الثقات. والموجود بين أيدينا من كتاب ابن حبان وهو مختص بالقدماء هارون ابن إسحاق وطبقته من قبلهم، وكثيراً ما يوجد في أسانيد كتب الحديث التي لم يعتن أهل العلم باستيعاب رواتها وكتب التاريخ وغيرها مما تذكر فيه الأخبار بأسانيدها أسماء رواة لا نجدهم في الكتب التي بأيدينا ومنها أسماء تشبه الموجودين في الكتب ولكن تقوم القرائن على أن المذكور في السند رجل آخر، فإن فرضنا أن الخطيب التزم أن لا يروي في (تاريخه) شيئاً عن مثل القزويني فهذه قرينة على أنه كان يرى أن هذا الرجل غير القزويني، وإن كان الخطيب لم يلتزم ذلك وفرضنا أن هذا الرجل هو القزويني وأن الخطيب عرف ذلك فعذر الخطيب واضح وهو أنه لم يلتزم أن لا يروي عن مثله مثل تينك الحكايتين.
أما الحكاية التي في (مناقب الشافعي) فإنما هي رؤيا لا تضع حكماً ولا ترفعه، والمناقب مما يتسامح فيها وقد تسامح الحنفية في رواية الأكاذيب المكشوفة والأحاديث الموضوعة في مناقب إمامهم كما يأتي في ترجمة محمد بن سعيد البورقي مع أمثلة أخرى لا تحصى، وتبعهم الخطيب نفسه فروى في مناقب أبي حنيفة كثيراً من