وقد قال ابن عدي عن حاله عند أهل بغداد: وجدت الناس أهل العلم والمشايخ مجمعين على ضعفه. وتجد بعد هذا الإجماع من يروي عنه. وكم أوقع الرواة تطلب العلو في الرواية عن الضعفاء والهلكى، لولا أن البغوي الحنبلي عاش وعلت سنه لما كان يروي عن أحد ممن له شأن لظهور مبدأ أمره كما سبق» .
أقول: أما غيرة أولئك الثلاثة على مذهب أبي حنيفة وثناؤهم عليه فلم يصح من ذلك أن يخالفوه في تلك المقالة كما خالفه أبو يوسف في مسائل لا تحصى، ولا مانع من أن يخبر بعضهم بعضاً بها، ولا أن يخبرها الحسن زياداً ليعلمه براءة أبي يوسف من تلك المقالة، ولا سيما إذا علم أنه مستفيضة عن أبي حنيفة، وكان حفيده إسماعيل بن حماد يصرخ بها صراخاً أيام المحنة وأنها دين أبيه وجده، وجاء عن الحِمَّاني أنه حدثه عشرة كلهم ثقات أنهم سمعوا أبا حنيفة يقول هذه المقالة. الأستاذ وإن تكلم في الرواة فهو يعترف بل يتبجح بأن أبا حنيفة كان يقول ذلك. وكذلك لا مانع أن يخبر البرتي البغوي لعلمه بأنه قد علم ذلك وليعلمه براءته، مع أن الحسن والبرتي كانا من لاعتدال والاستقامة وحب السنة بمكان، ولذلك أطاب أهل الحديث أنفسهم الثناء عليهما.
وأما البغوي فإن أهل العلم بعده أجمعوا على توثيقه، هذا ابن عدي بعد أن حط عليه بما لا يوجب جرحاً لم ينكر عليه إلا حديثاً واحداً أشار إلى أنه غلط في إسناده فأثبت ابن حجر في (لسان الميزان) أن الغلط من شيخ البغوي، وأن البغوي بعد اطلاعه على أنه غلط كف عن روايته ثم عاد ابن عدي فأنصف وقال: «ولولا أني شرطت أن كل من تُكُلِّمَ فيه (يعني ولو بكلام يسير لا يقدح) أذكره أذكره وإلا كنت لا أذكره» . وأعرض الخطيب عن كلام ابن عدي رأساً، وذكره ابن الجوزي في (المنتظم) ج٦ ص٢٢٩ وذكر بعض كلام ابن عدي وأجاب عنه وقال: «هذا كلام لا يخفى أنه صادر عن تعصب» وقال الذهبي في (الميزان) : «تكلم فيه ابن عدي بكلام فيه تحامل ثم في أثناء الترجمة أنصف ورجع عن الحط عليه» . وإنما كان البغوي عالي الإسناد حديد اللسان يفتخر على المحدثين في عهده في