البصري من ذلك، ومن رأي أبي حنيفة رضي الله عنهم مع كونهم عدولاً ليسوا بمعصومين من مثل قلة الضبط الناشيءة عن الأمية أو كبر السن، فيرجح رواية الفقيه منهم على رواية غيره عند التعارض، ورواية غير الهرم منهم على رواية الهرم ... » .
أقول: المقصود هنا ما في هذه العبارة من زعم أن أنساً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ هرم واختل ضبطه! ولا أعرف أحداً قبل الكوثري زعم هذا.
نعم ذكروا أنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لما كبر نسي بعض حديثه لكن لا يلزم من النسيان اختلال الضبط فإن الناسي إن نسي الحديث أصلاً لم يحدث به البتة وكيف يحدث به وهو ناس له؟ وإن عرض له تردد في قصة أو في بعضها فإنه إذا كان ضابطاً لم يحدث بها، أو يحدث بها ويبين التردد والشك، فالضابط هو الذي لا يحدث إلا بما يتقنه، فما لم يتقنه لم يحدث به أو حدث به وبين شكه، سواء أكان عدم الاتقان لذاك أول مرة عند التلقي أم عارضاً.
وزعمه أنه هرم غير قويم، لأن الهرم أقصى الكبر، ولم يبلغ أنس أقصى الكبر، أما من جهة كبر السن فقد قيل إنه لم يجاوز المائة وقيل بل جاوزها بثلاث سنين، وغلّطوا من قال إنه جاوزها بسبع سنين وقد كان في عصره من قومه وغيرهم من عاش فوق ذلك، فبلغ حسان مائة وعشرين سنة، وكان سويد بن غفلة يؤم الناس في قيام رمضان وقد أتى عليه مائة وعشرون سنة، ثم عاش حتى تم له مائة وثلاثون سنه، وبلغ أبو رجاء العطاردي مائة وسبعاً وعشرين سنه، وبلغ أبو عمرو سعد بن إياس الشيباني مائة وعشرين سنة، وبلغ المعرور بن سويد مائة وعشرين سنة، وبلغ زر بن حبيش مائة وسبعاً وعشرين سنة، وبلغ أبو عثمان النهدي مائة وثلاثين وقيل مائة وأربعين سنة، وحسان صحأبي من قوم أنس، والستة الباقون كلهم ثقات أثبات مجمع على الاحتجاج بروايتهم مطلقاً، ولم يطعن أحد في أحد منهم بأنه تغير بأخرة. وأما من جهة قوة البدن فلم يزل أنس صالحاً حتى مات لم يعرض له وهن شديد،