وبرأي النعمان كنت بصيرا ... حين يؤتي مقاييس النعمان
قاطعة قائلا:«أسكت فقد أفسدت الشعر وليس لابن المبارك ذنب بالعراق غير روايته عن أبي حنيفة» قال الأستاذ: «ولو كان ابن مهدي يعلم أنه رجع عن الرواية عن أبي حنيفة لصارحه بذلك ومثله في انحرافه عن أبي حنيفة واهتمامه بابن المبارك جدير بأن يعلم رجوعه لو كان رجع.
وكذلك لو صح رجوع ابن المبارك عن الأخذ والرواية عن أبي حنيفة ما صح لأبي تميلة أن يمدح في مرثيته بكونه بصيرا برأي النعمان وأهل بلده الرجل أعرف بأحواله.
الثاني: أن في (مسانيد أبي حنيفة) أحاديث كثيرة من طريق ابن المبارك عنه.
الثالث: كثرة ما يروي من ثناء ابن المبارك على أبي حنيفة.
أقول: أما الوجه الأول فلا يخفي وهنه فإن ترك ابن المبارك الرواية عن أبي حنيفة كان في أواخر عمره كما صرحت به الروايات فقد لا يكون ذلك بلغ ابن مهدي حين أنشد المرثية وقد يكون بلغة ولكنه رأى أن الرواية قد وقعت ووقع ما يترتب عليها من المفسدة وتركها بأخرة لا يمحو تلك المفسدة ولم يكن المنشد في مقام الاحتجاج بأن ابن المبارك كان يروي عن أبي حنيفة حتى يحتاج ابن مهدي إلى أن يقول له: قد تركه باخرة وإنما سمع شعرا فأنشده.
وأبو تميلة لم يثن على ابن المبارك بأنه كان يروي عن أبي حنيفة وإنما أثنى عليه بأنه كان بصيرا برأيه والبصر بالرأي فضيلة على كل حال لا يعاب بها أحد وإنما يعاب الرغبة عن السنة وردها بالرأي وكان ابن المبارك بحمد الله عز وجل بريئا من ذلك أو لا وأخرا. وأما أن أهل بلده الرجل أعرف بأحواله فلا يجدي شيئا لأن أبا تميلة لم يشر أدنى إشارة إلى نفي الترك ولو أشار أو صرح لم يكن في ذلك ما يدفع روايته المثبتين ومنهم من كان أخص بابن المبارك من أبي تميلة كالحسن بن الربيع الذي غمض ابن المبارك عند موته. وأما مسانيد (أبي حنيفة) فقد تقدم الكلام فيها في ترجمة الجراح بن منهال، فإن صح عن ابن المبارك شيء من روايته عن أبي حنيفة فهو مما