الحكاية ثم حملها مالا تطيق، فمن جملة ما قاله: «وبها يعلم أن محمد بن الحسن بعد أن درب (؟) الشافعي على الأخذ والرد هكذا رفع حديثه إلى الرشيد» .
أقول: الشافعي مدرب من بيته كما تقدم ورافع الحديث إلى الرشيد غير محمد كما تعينه عدة روايات أخرى ن والشافعي إنما جالس محمدا ليأخذ عنه كتبهم سماعا ليعرف أقوالهم، ومغزاه في ذلك أمران:
أحدهما: ما صرح به في بعض الروايات أنه أحب إن يعرف اقاويلهم وما يحتجون به ليتمكن من الرد عليهم فيما يراه خطأ ومناظرتهم فيه ن فإن عماد المناظرة أن يحتج على المخالف بأقواله لإنه قد يحتج بما ليس بحجة فيقال له ك إن كانت هذه حجة فلم خالفتها في موضع كذا وموضع كذا؟ وقد يرد الحجة فيقال له ك فقد احتججت بها أو بمثلها في موضع كذا وموضع كذا. ولا تكاد تخلومناظرة من مناظرات الشافعي من هذه الطريقة.
المغزى الآخر مغزى كل عالم متدين، وهو أن يعرف ما يحتجون به فربما وقف على حجة لم يكن قد عرفها أو على ما يدل على خلل في دليل كان يستدل به، أو نظر قد كان يعنمده وهذا لا يأنف منه المجتهد المتدين ن فإن غالب حجج الفقه ظنية لا يأمن المجتهد إن يخطئ وأن يكون عند غيره ما ليس عنده. فالحق إن الشافعي سمع بعض الكتب من محمد على سبيل الرواية، والعالم قد يسمع ممن هو فوقه وممن مثله وممن هو دونه. وقد يكون حضر بعض دروس محمد للمغزى المتقدم، كل ذلك والشافعي باق على مذهبه لم يقلد محمدا ولا تابعه متابعة التلميذ المطلق لأستاذه، بل كان محمد إذا قام ناظر الشافعي أصحاب محمد يقرر لهم مذهبه ويحتج عليه ويفند ما استدل به محمد وغيره. أما تأبيه أول من مناظرة محمد فمن كمال عقله ووفور أدبه، لأنه كان محتاجا إلى سماع تلك الكتب ومعرفة أقاويل القوم ن فخشى إن يتكدر محمد فيتعسر عليه، وقد جاء انه تعسر عليه في كتاب فكتب إليه أبياتا أثنى عليه فيها وقال فيها: