ج ٣ ص ١٩٥ و٢٧٥ ومنها ما هو على الاحتمال، وإنما تأبى الشافعي أو لا لما سبق، فلما عرف غنصاف محمد واغتبط محمد بمناظرته كثرت المناظرات بينهما. وفي (توالي التأسيس) ص ٧١ من طريق «أبي حسان الحسن بن عثمان الزيادي قال: كنت في دهليز محمد بن الحسن فخرج محمد راكبا فنظر فرأى الشافعي قد جاء فثنى رجله ونزل وقال لغلامه: أذهب فاعتذر، فقال له الشافعي / لنا وقت غير هذا، قال: لا، وأخذ بيده فدخلا الدار / قال أبوحسان: وما رأيت محمدا يعظم أحدا إعظام الشافعي» .
ومن تدبر مناظرات الشافعي لمحمد وجدها مناظرة الأكفاء، وعلم منها أن الشافعي كان حينئذ مجتهدا كاملا، وأن محمدا كان مع مكانته من الفقه والسن والمنزلة من الدولة وكثرة الأتباع على غاية من الإنصاف في البحث والنظر. والإنصاف أنه كان لتلك المناظرات أثر في الرجلين فاتفقا على مسائل رجع فيها الشافعي عما كان يتابع فيه مالكا، أو رجع محمد عما كان يتابع فيه أبا حنيفة، ومن تصفح كتب الحنفية التي يذكر فيها قول الشافعي ظهر له صحة ما قلنا، وواضح أنه لا يلزم من هذا أن يتفقا في جميع المسائل التي تناظرا فيها.
ومن براعة الشافعي الفائقة ومهارته الخارقة أنه يجمع في مناظراته بين لطف الأدب وحسن العشرة واستيفاء الحق حتى في التشنيع، ساق في كتاب (اختلاف الحديث) بابا تراه في هامش (الأم) ج ٧ ص ١٠٥- ١٢٥ في أحكام الماء وفيه ذكر القلتين وغير ذلك الأحاديث ومناظرة مع من لم يسمعه، لكن يتبين بالسياق أنها ولا إجماعا ولا قياسا، ولقد قلتم فيه أقاويل لعله لوقيل لعاقل: تخلطا، فقال ما قلتم لكان قد أحسن التخاطؤ» ! ثم ذكر الأحاديث وسأله: ^ ٤٢٣
أثابتة هي؟ فاعترف بثبوتها فقال ص ١١٦:«فقلت له: لقد خافتها كلها وقلت قولا اخترعته مخالفا للأخبار خارجا من القياس، قال: وما هو؟ قلت: اذكر القدر ... قال: الذي إذا حرك أدناه لم يضطرب اقصاه» فأجابه، ثم ساق الكلام إلى أن قال ص ١٢٠: