وأما الوهم، فإذا كان يسيراً يقع مثله لمالك وشعبة وكبار الثقات فلا يستحق أن يسمى خللاً في الضبط، ولا ينبغي أن يسمى تغيراً، غاية الأمر أنه رجع عن الكمال الفائق المعروف لمالك وشعبة وكبار الثقات، ولم يذكروا في ترجمته شيئاً نسب فيه إلى الوهم إلا ما وقع له مرة في حديث أم زرع، والحديث في (الصحيحين) وغيرهما عنه عن أبيه عن عائشة قالت: «جلس إحدى عشرة امرأة ... » فساقت القصة بطولها وفيها ذكر أم زرع، وفي آخره:«قالت عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كنت لك كأبي زرع لأم زرع» .
وهذا السياق صحيح اتفاقاً ولكن رواه هشام مرة أخرى فرفع القصة كلها، وقد توبع على ذلك كما في (الفتح) ولكن الأول أرجح، وأستدل بعضهم على رفع القصة كلها بأن المرفوع اتفاقاً وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم:«كنت لك كأبي زرع لأم زرع» مبنى على القصة فلا بد أن يكون صلى الله عليه وسلم بدأ فذكر القصة ثم بنى عليها تلك الكلمة أو بدأ بتلك الكلمة فسألته عائشة فذكر القصة. وأجيب باحتمال أن تكون القصة كانت مما يحكيه العرب وكان صلى الله عليه وآله وسلم قد سمعهم يحكونها وعلم أن عائشة قد سمعنها فبنى عليها تلك الكلمة. وعلى كل حال فهذا وهم يسير قد رجع عنه هشام. يقي ما قيل: إن هشاماً كان يدلس ن قال يعقوب بن سفيان: «ثقة ثبت لم ينكر عليه شيء إلا بعدما صار إلى العراق فإنه انبسط في الرواية عن أبيه فأنكر ذلك عليه أهل بلده، والذي نرى أن هشاما تسهل لأهل العراق، إنه كان لا يحدث عن أبيه آبى بما سمعه منه، فكن تسهله أنه أرسل عن أبيه عما كان يسمعه من غير أبيه عن أبيه» وجاء عن ابن خراش ما يفهم منه هذا المعنى وقد تفهم منه زيادة لا دليل عليها فلا تقبل من ابن خراش، وعدة ابن حجر في الطبقة الأول من المدلسين، وهو طبقة من لم يوصف بذلك إلا نادراً.
والتحقيق أنه لم يدلس قط ولكن كان ربما يحدث بالحديث عن فلان عن أبيه فيسمع الناس منه ذلك ويعرفونه ثم ربما ذكر ذلك الحديث بلفظ «قال أبي» أو نحوه