للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(المجلد ٢٥) لولا ذلك- أي قدرته وإرادته- ما استقل به العرش ولا الحملة، ولا السماوات والأرض ومن فيهن، ولو قد شاء لاستقر، على ظهر بعوضة، فاستقلت به بقدرته، ولطف ربوبيته، فكيف على عرش عظيم أكبر من السماوات السبع

والأرضين السبع ... الخ.

وقد حذف الكوثري قول شيخ الإسلام (ولطف ربوبيته) ليخفي المراد، وهو أن القدرة الإلهية قائمة بجميع المخلوقات مستقلة بها من العرش الذي هو أكبر مخلوق، إلى صغار الذر والبعوض، وهو تعالى بائن منها، مستغن عنها، عال عليها جميعاً.

وإنما أراد الكوثري أن يشنع بضرب البعوضة مثلاً!! أو لا يذكر الكوثري أن الله تعالى ضربها مثلاً، فقال سبحانه: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ... " الآية؟

ولما عاب الكفار ذكر النحل والنمل والذباب والعنكبوت في القرآن، ذكرهم تعالى في هذه الآية إن البعوضة فما فوقها من عجائب خلق الله، وأنها مشتملة على حكمة بالغة "وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ" وفي قوله تعالى: "فَأَمَّا

الَّذِينَ آَمَنُوا" الآية. «وفي هذا» ثناء عظيم على المؤمنين واعتداد بعلمهم أنه الحق، ونعى على الكافرين إغفالهم حظهم وعنادهم ورميهم بالكلمة الحمقاء كما قال الزمخشري في "كشافه": فيا ليت شعري من أي الفريقين هذا المعترض حتى يعيب

مثلاً مضروباً في القرآن؟ وأصغر مخلوق لله هو خلق معجز للبشر عن أن يأتوا بمثله، كما أن أقصر سورة من القرآن هي وحي معجز لهم أن يأتوا بمثله (١) اهـ.


(١) نشر بمجلة الرابطة العربية بمصر عدد ١٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>