أقول أما الترمذي فروى من طريق وكيع حديث إشعار النبي - صلى الله عليه وسلم -. ثم قال: «سمعت يوسف بن عيسى (وهو ثقة) يقول: «سمعت وكيعاً يقول حين روى هذا الحديث قال: لا تنظروا إلى قول أهل الرأى في هذا فإن الاشعار سنة وقولهم بدعة» قال الترمذي: سمعت أبا السائب (سلم بن جنادة وهو ثقة) يقول: كنا عند وكيع فقال لرجل عنده ممن ينظر في الرأى: أشعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويقول أبو حنيفة: هو مثلة؟ قال الرجل: فإنه قد روي عن إبراهيم النخعي أنه قال: الإشعار مثلة. قال: فرأيت وكيعاً غضب غضباً شديداً، وقال:: أقول لك: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقول: قال إبراهيم؟ ما أحقك بأن تحبس ثم لا تخرج حتى تنزع عن قولك هذا» .
القائل:«فإنه قد روي عن إبراهيم» لا يدري من هو وممن سمعه وكيف إسناده، ولكن الأستاذ بنى على دعاوى:
الأولى: أن ذاك الرجل ثقة.
الثانية: أن قوله: «فإنه قد روي» معناه فإن أبا حنيفة روي.
الثالثة: أنه سمع ذلك من أبي من أبي حنيفة.
الرابعة: أن أباحنيفة روي ذلك عن حماد، مع أنه لا ذكر لحماد في الحكاية.
الخامسة: أن ذلك أثر، مع أن الأستاذ نقم نحو ذلك في (الترحيب) ص ٢٨ فقال: «وإطلاق الأثر على مالم يؤثر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضي الله عنهم في دين الله شيء مبتكر في سبيل تقوية الخبر الزائف من هذا الناقد الصالح!» . السادسة: أن 'براهيم النخعي لم يكن يستنبط ولا يقيس وإنما كان يقول ما يرويه بنصه، والأستاذ يعلم أن المتواتر عن إبراهيم خلاف ذلك، غاية الأمر أنه يسوغ أن يقال: إنه لم يكن يفتي برأيه المحض، وإنما كان يستنبط من المرويات ويقيس عليها فيكون عرضة للخطأ كغيره.