بعد النكاح، وأقول: يقال: «طلقت (بفتح اللام مخففة) فلانة أي انحلت عقدة نكاحها بقول من الزوج، ويقال:«طلق فلان امرأته» أي جعلها تطلق كما يقال سرّحها أي جعلها تسرح، وسيّرها جعلها تسير، وغير ذلك. فطلاق الرجل يتضمن أمرين: الأول: قوله الخاص. والثاني: وقوع الأثر على المرأة فتنحل به عقدة نكاحها. وإذا قيل:«طلق فلان امرأته اليوم» فالمتبادر أن قوله وانحلال العقدة وقعا ذاك اليوم فهذا هو الحقيقة فمن قال لإمراته يوم السبت: إذا جاء يوم الجمعة فأنت طالق لم يصدق على وجه الحقيقة أن يقال قبل يوم الجمعة: إنه طلق. ولا أن يقال: طلق يوم السبت، ولا طلق قبل يوم الجمعة ولكنه يقال بعد مجيء يوم الجمعة: إنه طلق. فإذا أُريد التفضيل قيل: علق طلاقها يوم السبت وطلقت يوم الجمعة. ونظير ذلك، إذا جرح رجل آخر يوم السبت جراحة مات منها يوم الجمعة فلا يقال حقيقة قبل الموت أنه قتل، ولكن يقال بعد الموت أنه قتله، ولا يقال قتله يوم السبت ولا يوم الجمعة بل يقال جرحه يوم السبت فمات يوم الجمعة. فقوله تعالى في الآية:«ثم طلقتموهن» يقتضي تأخير الأمرين معاً: قول الرجل وانحلال العقدة. ويؤيده أمرين:
الأول: قوله: «ثم طلقتموهن» وكلمة «ثم» تقتضي المهلة، وإذا كان الطلاق معلقاً بالنكاح، وقلنا إنه يقع وقع بلا مهلة.
الثاني: قوله: «وسرحوهن سراحاً جميلاً» والتسريح هنا إرجاعها إلى أهلها وإنما يكون ذلك إذا كانت قد زفت إليه، ومن كان معلوماً أنه بنكاحه يقع طلاقه فمتى تزف إليه المرأة حتى يقال له: سرحها سراحاً جميلاً؟
وأما الحديث فاحتج به جماعة من المتقدمين على عدم الوقوع، وتأوله بعضهم بما ذكر الأستاذ، وأقول: إن كان لفظ «طلاق» فيه اسماً من التطليق كالكلام من التكلم سقط التأويل كما يعلم مما مر، وإن كان مصدر قولنا «طَلَقَتِ المرأةُ» كان للتأويل مساغ، والأول هو الأكثر والأشهر في الاستعمال، وقد دفع التأويل بأنه لا