للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يخفى ما فيه. ثم اختلفوا في تعزيم العاقلة، فقال قوم: ليس عليها شيء لأنه إن كان الواجب قيمة فكما لو كان المقتول فرساً، وإن كان دية فليس من شأن سيد العبد أن يطلب دم القاتل فيكون ذلك من مثار تعصب عاقلته. وقال أبو حنيفة: تلزم العاقلة. احتج مخالفوه بما روي عن الشعبي: لا تعقل العاقلة عمداً ولا عبداً ولا صلحاً ولا اعترافاً. فقال أبو حنيفة: إنما معنى هذا وارد في المسألة الأولى، وهي أن يكون العبد هو القاتل فرده الأصمعي بما مر وأجاب الأستاذ بما سمعت.

وأقول: أما ما ذكر عن إبراهيم، فقوله: «قتل» لا أدري أبا لبناء للفاعل أم المفعول، فإن كان للمفعول وهو الظاهر فهو نص في خلاف قول أبي حنيفة. فإن قيل: رواية أبي حنيفة له تدل على أنه عنده بالبناء للفاعل، قلنا: بل رواية أبي يوسف له تدل أنه عنده بالبناء للمفعول، والحق اطراح هذين فإن إبراهيم تابعي، والعالم كأبي حنيفة وأبي يوسف قد يروي من أقوال التابعين ما لا يقول به، لكن إذا ثبت أن المعروف في اللغة عقلت القتيل. دون: عقلت القائل. تبين أن الفعل في قول إبراهيم مبني للمفعول وهو الظاهر.

وأما الأثر عن أبن عباس فليس من الواجب مطابقته لما روي عن غيره، بل هي خمس مسائل اتفق القولان على ثلاث، وانفرد كل منها بواحدة، ويتعين الجزم بهذا إذا كان المعروف في اللغة: عقلت القتيل، لا عقلت القائل. فتبين أن المدار على اللغة.

فأما ما ذكره صاحب (العناية) فليس بشيء، بل المعنى لا تعقل العاقلة دية عمد ولا قيمة عبد ولا واجب صلح ولا واجب اعتراف. وأما تحقيق الأستاذ فيقال له: العبارة التي زعمت أنها الأصل وهي «عقل فلان قوائم الإبل ليدفعها دية عن فلان» إنما تعطي بمقتضى العربية أن فلاناً الثاني هو القاتل فإننا نقول: «دفعت عن فلان الدين الذي عليه، وأديت عنه الدية التي لزمته» ويصح أن يقال بهذا المعنى: «وديت عنه» أي: أديت عنه الدية التي لزمته، فأما المقتول فإنما يقال: «وديته» وقد يقال: هذه دية من القتيل أي بدل عنه قال الشاعر:

<<  <  ج: ص:  >  >>