وأما ابن عيينة فإنما سمع منه سنة ثلاثة وعشرون ومائة، ورجع الزهري فمات في التي بعدها» .
أقول: أما الحفظ فابن عيينة أحفظ، وأضبط بلا شك ولا سيما فيما رواه قديما إلا أنه كثير الرواية بالمعنى، ويونس دونه في الحفظ ولكن كتابه صحيح كما شهد له ابن المبارك وابن مهدي. وعلى كل حال فلا معنى للموازنة بينهما هنا، ولكن الطحاوي لأمر ما ذكر رواية ابن عيينة المرجوحة وعقبها برواية يونس، ونصب الخلاف بينهما. وقد علمت ان الواقع رواية ابن عيينة المرجوحة من جانب وروايته الراجحة ويونس من جانب، فأي معى للموازنة بين الرجلين؟
أما بقية الرواة عن الزهري فجماعة:
الأول: يونس بن يزيد. تقدمت رواية الطحاوي عن يونس بن عبد الاعلى عن ابن مهب عنه، وبنحوه رواه البخاري في (الصحيح) عن ابن أبي أويس عن ابن وهب، وكذلك رواه عن ابن وهب الحارث بن مسكين عند النسائي، وابن السرح ووهب بن بيان وأحمد بن صالح عند أبي داود، ورواه مسلم عن حرملة والوليد بن شجاع عن ابن وهب وقالا في المتن:«لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فصاعداً» وهذه رواية بالمعنى بالتصريح بمفهوم المخالفة، والاولون أكثر وأثبت. وأخرج الامام أحمد (المسند) ج ٦ ص ٣١١ عن عتاب، وأخرج النسائي عن حبان بن موسى كلاهما عن ابن المبارك عن يونس عن الزهري عن عمرة عن عائشة مرفوعاً:«تقطع اليد في ربع دينار فصاعداً» . وهذا أثبت مما تقدم لأن أبن المبارك أثبت من ابن وهب وكان يقول: كتاب يونس صحيح. وكان من عادة ابن المبارك تتبع أصول شيوخه، فالظاهر أنه أخذ هذا عن يونس من أصل كتابه، ويشد لذلك أنه لم يذكر عروة، وبقية الرواية عن الزهري غير يونس في رواية ابن وهب لا يذكرون عروة، وحديث عروة عن عائشة ليس بهذا اللفظ، وفي (الفتح) : «يحتمل أن يكون لفظ عروة هو الذي حفظه هشام عنه وحمل يونس حديث عروة على حديث عمرة فساقه على لفظ عمرة، وهذا يقع لهم كثيراً» .