لأصحابه طرقاً في التملص من أحاديث (الصحيحين) في هذهالمسألة، من ترجيح غيرها أو دعوى اضطرابها أو نسخها، وأنه لم يرتض شيئاً من ذلك، واختار طريقاً جديداً يجمع بين الادلة في زعمه، وهو أولاً كان في ثمن المجن كما في حديث (الصحيحين) عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، وكانت قيمة المجن أولاً قليلة، ثم أخذت تزيد بزيادة أتساع حال المسلمين حتى بلغت عشرة دراهم فأقر الأمر عليها، وترك اعتبار ثمن المجن، وذلك كما هو الحال عنده في الدية. قال:«وعلى نحوهذا حملت حد الخمر ومقدار المهر» .
أقول: لم أظفر بتطبيق الأخبار على هذا المسلك لكن قد يقال: كان المعيار الشرعي لما يجب في القطع هو قيمة المجن فكأنها كانت أولاً لا تزيد عن أقل ما يحق على آخذه اسم «السارق» وحينئذ أنزل الله عز وجل: «وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا» ، ثم كأنها ترقت قليلاً فصارت كقيمة الحبل والبيضة وحينئذ قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«لعن الله السارق يسرق الحبل فتقطع يده ويسرق البيضة فتقطع يده» ثم ترقت فصارت ربع دينار وهو عند الحنفية درهمان ونصف، وحينئذ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «تقطع اليد في ربع دينار فصاعداً» ثم ترقت فصارت ثلاثة دراهم، وحينئذ قطع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مجن قيمته ثلاثة دراهم.
ثم كأنها بقيت كذلك إلى أن قطع أبو بكر في شيء يقول أنس:«ما يسرني أنه لي بثلاثة دراهم» . ثم كأنها ترقت فصارت خمسة دراهم، وحينئذ قطع أبو بكر في مجن قيمته خمسة دراهم. وكأنها بقيت على ذلك إلى عهد عمر، وحينئذ قال - لو صح عنه -: لا تقطع الخمس إلا في خمس. ثم كأنها نقصت إلى درهمين ونصف فحينئذ قال عمر - لو صح عنه - إذا أخذ السارق ربع دينار قطع. ثم كأنها ترقت فصارت عشرة دراهم وحينئذ امتنع - لو صح عنه - من القطع في ما قيمته ثمانية دراهم. ثم نقصت في عهد عثمان وحينئذ قطع في أترجة قيمتها ثلاثة دراهم، ثم ازدادت نقصاً وحينئذ قطع في فخارة خسيسة. ثم تحسنت الحال قليلاً في زمن علي وحينئذ قطع في بيضة حديد قيمتها ربع دينار، وأفتت عائشة بالقطع في ربع