للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من حكم إلى أشد منه رعاية للحكمة جواز زيادة التشديد تعزيزاً، واستأنسوا الزيادة بقولهم: «إنه إذا سكر هذا، وإذا هذا افترى» (١) مع علمهم بأنه لا يلزم بمجرد الاحتمال حكم المرتد ولا حكم المطلق ولا غيرها ذلك مما يحتمل صدوره منه عند هذيانه، والسرقة لم يقع في تحريمها تدريج، لا من حال إلى أشد منها، ولا من حال إلى أخف منها.

فإن قيل قد يقال، إن للتدريج حكمة، وهي أن الناس كانوا في ضيق فكان المسروق منه يتضرر بأخذ اليسير من ماله، ثم اتسعوا فصار لا يتضرر إلا بأخذ أكثر من ذلك وهكذا.

قلت: تعقل الحكمة لا يثبت به الحكم، مع أن ما ذكر تم يعارضه أن المناسب في زمن الضيق أن يخفف على السارق لكثرة الحاجة، وقد شهدت الشريعة في الجملة لهذا المعنى دون الأول وذلك يدرء الحد عن المضطر، وما يروى عن بعض السلف أنه لا قطع في زمن المجاعة (٢) .

فإن قيل: إن المقدار لم يتغير في المعنى، لأن السلع كلها أو غالبها تساير المجن، فالسلعة المسروقة التي تكون قيمتها خمسة حين بلغ ثمن المجن خمسة، كانت قيمتها ثلاثة حين كانت قيمة المجن ثلاثة، وهكذا الدراهم نفسها، فإن الثلاثة كانت أولاً تغنى غناء تغنيه أخيراً إلا الخمسة مثلاً.

قلت: هذا كله لا يغني فتيلاً فيما نحن بصدد، ثم هو غير مستقيم، فقد تغلوا سلعة وترخص أخرى، ولا تزال تضطرب قيمتها ارتفاعاً وانخفاضاً إلى يوم القيامة، ولماذا إذ كان لوحظ ذاك المعنى وقع التحديد أخيراً بالعشرة؟ ! وقد يزيد


(١) هذا لم يصح، وهو مطل في إسناده ومتنه، وقد بينت ذلك في «إرواء الغليل» .ن
(٢) قلت يشير إلى ما روى عن عمر رضي الله عنهأنه قال: «لا قطع في غدق، ولا في عام سنة» .نده جهالة كما ىبينة في المصدر السابق (٢٤٩٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>