والحاصل أن أبا حنيفة يقول هي حرام في حكم الله تعالى على زوجها، مباحة في حكم الله تعالى للشاهد الفاجر! ومخالفوه يقولون بعكس هذا. غاية الأمر أن القاضي لجهله في نفس الأمر يحول بينها وبين زوجها ويسلط الشاهد الفاجر عليها، ولا قبح في هذا ولا شناعة، أرأيت إذا ادعى رجل على امرأة أنها زوجته فحكم القاضي بذلك، وكانت المرأة في نفس الأمر أم المدعي أو أخته أو بنته والقاضي لا يعلم، أليس يسلطه عليها في قول أبي حنيفة وغيره؟ ونظير مسألتنا ما إذا كان لزيد أمة فادعى بكر أنها أمته وأقام شاهدي زور فقضى له القاضي، فأبو حنيفة يوافق في هذه أن الأمة لا تزال في ملك زيد حلالاً له وحرماً على بكر، وإن كان القاضي يحول بينها وبين زيد ويسلط عليها بكراً. وليت الأستاذ كان ذكر الأدلة التي زعم أن نفاذ حكم القاضي ظاهراً وباطناً هو مقتضاها فكنت أنظر فيها، وعسى أن تكون في ذلك فائدة، ولكن الأستاذ عدل عنها إلى سلاحه الوحيد من المغالطة والتهويل على عادته. ومن العجيب قوله:«وأما عدم تفريق القاضي بينهما بعد علمه ... » أليس من المعلوم أنه في قول أبي حنيفة إذا علم حقيقة الحال قضى بأنها امرأة ذلك الشاهد الفاجر حلال له ظاهراً وباطناً؟ أو ليس إذا كان هذا قضاءه لم يكن هناك وجه عنده للتفريق بينهما؟ .