للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبهذا يفارق أمر الجاهل؛ لأن من لا يعرف عجز غيره عن القيام يتصور أن يطلبه منه.

أما إذا علم امتناعه فلا يكون طالبًا، وإذا لم يكن طالبًا لم يكن آمرًا. ولأن إثبات الأمر بشرط يفضي إلى أن يكون وجود الشيء مشروطًا بما يوجد بعده، والشرط ينبغي أن يقارن، أو يتقدم، أما أن يتأخر عن المشروط فمحال (١) ...

ثم ذكر في الاستدراك على أدلتهم: "وقولهم: الأمر طلب، وطلب المستحيل من الحكيم محال، قلنا: الأمر إنما هو قول الأعلى لمن دونه: (افعل) مع تجردها عن القرائن، وهذا متصور مع علمه بالاستحالة.

وعلى أنَّا لو سلمنا أن الأمر طلب؛ فليس الطلب من الله تعالى كالطلب من الآدميين؛ وإنما هو استدعاء فعل لمصلحة العبد، وهذا يحصل مع الاستحالة؛ لكي يكون توطئة للنفس على عزم الامتثال، أو الترك؛ لطفًا به في الاستعداد، والانحراف عن الفساد، وهذا متصور.

ويتصور من السيد أيضًا أن يستصلح عبده بأوامر ينجزها عليه، مع عزمه على نسخ الأمر قبل الامتثال (٢)؛ امتحانًا للعبد، واستصلاحًا له.

ولو وكل رجلاً في عتق عبده غدًا مع عزمه على عتق العبد صح، ويتحقق فيها المقصود؛ من استمالة الوكيل، وامتحانه في إظهار الاستبشار بأوامره، والكراهية له، وكل ذلك معقول الفائدة، فكذا هاهنا.

وقولهم: (يفضي إلى تقديم المشروط على الشرط).

قلنا: ليس هذا شرطًا لذات الأمر؛ بل الأمر موجود وجد الشرط أم لم يوجد؛


(١) يُنظر: المعتمد (١/ ١٣٩ - ١٤١) وجعل عنوان المسألة: في الأوامر الواردة بالشيء على شرط زوال المنع.
(٢) ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن هذه المسألة تشبه مسألة النسخ قبل التمكن من الفعل؛ لأن ذلك رفع للحكم بالخطاب، وهذا رفع للحكم بتعجيز. يُنظر: المسودة (ص: ٤٤).

<<  <   >  >>