للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

•المطلب الأول

مرحلة الاستدراك التأسيسي

شرعت حركة التأليف في العلوم الشرعية في منتصف القرن الثاني للهجرة، وأما قبل ذلك فكان الأئمة يتكلمون من حفظهم، أو يروون العلم في صُحُفٍ صحيحة غير مرتبة (١).

فكان علم أصول الفقه قبل الإمام الشافعي في القرنين الأول والثاني يعتمد على استدراكات مباشرة؛ كما مر معنا في استدراكات الصحابة والتابعين، أو مراسلات علمية؛ كالتي دارت بين الإمام مالك والليث بن سعد (٢). (٣)

ونجد أن مناهج الاستنباط في هذا العصر تنوعت، وظهرت مدرستا: الحديث في الحجاز، والرأي في الكوفة، وكان النزاع محتدمًا بين هاتين المدرستين، فاستدرك كل فريق على الآخر، وأخذ كل فريق ينتصر لطريقة شيخه، فصارت الحاجة ماسة إلى تدوين قواعد يحتكم إليها عند الخلاف.

وقد تنازع أرباب المذاهب المختلفة أولية التأليف في أصول الفقه على الرغم من ادعاء البعض الإجماع عليه (٤). (٥)


(١) يُنظر: تاريخ الإسلام (٩/ ١٣).
(٢) أبو الحارث، الليث بن سعد الفهمي، مولى فهم بن قيس عيلان، كان أحد الأئمة في الدنيا فقهًا وورعًا وفضلا وعلمًا ونجدة وسخاء، لا يختلف إليه أحد إلا أدخله في جملة عياله، ينفق عليهم كما ينفق على خاصة عياله، فإذا أرادوا الخروج من عنده زودهم ما يبلغهم إلى أوطانهم، وقد استقل بالفتوى في زمانه بمصر، (ت: ١٧٥ هـ) في يوم الجمعة.
تُنظر ترجمته في: الطبقات الكبرى (٧/ ٥١٧)؛ مشاهير الأمصار (١/ ١٩١)؛ تذكرة الحفاظ (١/ ٢٢٤).
(٣) وسيأتي ذكر نص رسالة الإمام مالك يستدرك فيها على الليث تركه العمل بإجماع أهل المدينة (ص: ٧٩٦).
(٤) حكى الإسنوي في التمهيد الإجماع على أن الإمام الشافعي هو أول من ألف في أصول الفقه. يُنظر: التمهيد في تخريج الفروع على الأصول للإسنوي (ص: ٣٨).
(٥) يُنظر الاختلاف في تدوين أصول الفقه في: الفكر الأصولي (ص: ٦٠).

<<  <   >  >>