للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• الاستدراك بقاعدة (تقييد المطلق خلاف الأصل):

ذكر الرازي في مسألة (إجماع أهل المدينة) اعتراضًا على استدلال الإمام مالك بحديث: «إِنَّ المدِينَةَ لَتَنفِي خبَثَهَا، كما يَنفي الكِيرُ خبَثَ الحَديدِ»: " ... سلمنا صحة متنه؛ لكن لِمَ لا يجوزُ أن يكون ذلك محمولاً على من خرج منها لكراهية المقام بها؟ مع أن في المقام بها بركة عظيمة؛ بسبب جوار الرسول وجوار مسجده - صلى الله عليه وسلم - ومع ما ورد من الثناء الكثير على المقيمين بها؛ لأن الكاره للمقام بها مع هذه الأحوال لا بد وأن يكون ضعيف الدين، ومن كان كذلك فهو خبث" (١).

فأجاب على هذا الاعتراض بقوله: "قوله: (نحمله على من كره المقام بالمدينة).

قلنا: تقييد المطلق خلاف الأصل، ولو جاز ذلك لجاز في قوله: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: ١١٥]، وفي قوله - عليه الصلاة والسلام -: «لاَ تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى خَطَأ» (٢)

حمله على بعض الصور، ولما كان جواب الجمهور أن تخصيص العام وتقييد المطلق خلاف الأصل، وأنه لا يجوز القول به من غير ضرورة؛ فكذا ها هنا" (٣).


(١) يُنظر: المحصول (٤/ ١٦٣).
(٢) الحديث له طرق متعددة، وألفاظ مختلفة؛ فمن أقربها:
- حديث مالك الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله أجاركم من ثلاث: ... وألا تجتمعوا على ضلالة». أخرجه أبو داود، ك: الفتن والملاحم، ب: في ذكر الفتن ودلائلها، (٤/ ٩٨/ح: ٤٢٥٣).
- حديث أنس - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن أمتي لا تجتمع على ضلالة ... ». أخرجه ابن ماجة، ك: الفتن، ب: السواد الأعظم، (٢/ ١٣٠٣/ح: ٣٩٥٠).
- حديث عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله لا يجمع أمتي - أو قال: أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - على ضلالة ... ». أخرجه الترمذي، ك: الفتن، ب: ما جاء في لزوم الجماعة، (٤/ ٤٦٦/ح: ٢١٦٧).

قال الحاكم في الرواية السابقة: "إن المعتمر بن سليمان أحد أئمة الحديث وقد روي عنه هذا الحديث بأسانيد يصح بمثلها الحديث، فلا بد من أن يكون له أصل بأحد هذه الأسانيد، ثم وجدنا للحديث شواهد من غير حديث المعتمر لا أدعي صحتها، ولا أحكم بتوهينها؛ بل يلزمني ذكرها لإجماع أهل السنة على هذه القاعدة من قواعد الإسلام". يُنظر: المستدرك على الصحيحين (١/ ٢٠١).
(٣) يُنظر: المحصول (٤/ ١٦٥).

<<  <   >  >>