للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنه الصواب.

ويمكن تمثيل هذه الآدب بما قرره الجويني في البرهان (١)، واتخذه معيارًا له؛ إذ يقول: "فلينظر الناظر كيف لقطنا من كل مسلك خياره، وقررنا كلَّ شيءٍ على واجبه في محله، وهذه غاية ينبغي أن ينتبه من يبغي البحث عن المذاهب لها؛ فإنه يبعد أن يصير أقوام كثيرون إلى مذاهب لا منشأ له من شيء، ومعظم الزلل يأتي أصحاب المذاهب من سَبْقهم إلى معنى صحيح؛ لكنهم لا يسبرونه حق سبره؛ ليتبينوا بالاستقراء أن موجَبَه عام شامل، أو مفصل، ومن نظر عن ة عن منشأ المذاهب، فقد يُفضي به نظره إلى تحيز طرف من كل مذهب كدأبنا في المسائل".

• رابعًا: الشجاعة في إبداء الاستدراك.

فالعالم متى وقع على خطأ يجب عليه استدراكه إن لم يقم به غيره، فلا يقر به، فإن أقر كان غاشًّا للأمة؛ بل الواجب عليه أن يصدع بالحق ولا تأخذه في الله لومة لائم.

وضرب لنا التاريخ أمثلة لكثير من علماء الإسلام -كالإمام أحمد وشيخ الإسلام ابن تيمية- في شجاعتهم وانتصارهم لمذهب السلف والدفاع عنه بالحجج النقلية والعقلية، وعقدت المناظرات في ذلك، وحبسوا على أثرها، وضربوا بسياط، فلم يمنعهم هذا من الثبات على قول الحق.

وأمثل هذا بالاستدراكات التي أبداها الجويني وخالف بها الشافعي ... وأبا الحسن الأشعري والباقلاني، وهم الأكابر الذين لهم وزنهم في الفكر الإسلامي عمومًا، وبين المتمذهبين بمذاهبهم خصوصًا، فخالف الشافعي في خمس وعشرين مسألة، وخالف الأشعري في ثلاث مسائل، وأما الباقلاني فخالفه في إحدى وأربعين مسألة. (٢)


(١) يُنظر: (١/ ٤٩٦).
(٢) يُنظر: الفكر الأصولي (ص: ٣١١).

<<  <   >  >>