للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ليس ههنا فعل مكتسب للإنسان أصلاً، وأن ما يُظهر كون الإنسان فاعلاً للشيء فأمر مصاحب ولاحِق؛ لا أن الإنسان لذلك الفعل سبب لا قريب ولا بعيد حتى تكون نسبة ذي القدمين مثلاً إلى المشي هي بعينها نسبة العادم للقدمين (١) " (٢).

ثم استدرك على مذهب الأشعري بدليل الحس فقال: "وهذه مخالفة للحس، ورأي غريب جدًّا عن طباع الإنسان" (٣).

• الاستدراك بالقواعد الأصولية المتعلقة بدلالات الألفاظ؛ ومنها:

• الاستدراك بقاعدة (صيغة الأمر المجردة عن القرائن تفيد الوجوب):

قال القاضي أبو يعلى في مسألة (دلالة أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم -): "واحتج من قال: إنها على الوقف: بأنا لا نعلم على أي وجه فعله النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويحتمل أن يكون فعله واجبًا، ويحتمل أن يكون ندبًا، ويحتمل أن يكون مباحةً، ويحتمل أن يكون مخصوصًا دون أمته، وإذا لم يعلم على أي وجه أوقعه لم يصح الإقتداء به.

والجواب: أن الفعل المتجرد عن القرائن لا يكون إلا واجبًا عامًا فيه وفي أمته،


(١) يعتقد الأشاعرة أن قدرة العبد لا تأثير لها في حدوث مقدورها، ولا في صفة من صفاته، وأن أفعال العباد مخلوقة لله وليس للإنسان فيها سوى اكتسابها، فالفاعل الحقيقي هو الله، وإضافتها إلى الخلق مجاز. ولقد عدَّ المحققون منهم (الكسب) هذا من محالات الكلام، وضربوا له المثل في الخفاء والغموض فقالوا: (أخفى من كسب الأشعري). والإيمان والطاعة عندهم بتوفيق الله، والمعصية بخذلانه، والتوفيق خلق القدرة على الطاعة، والخذلان خلق القدرة على المعصية. ومذهب أهل السنة والجماعة: أن أفعال العباد خلق الله وكسب العباد، فالعباد لهم قدرة ومشيئة لكن هي داخلة تحت قدرة ومشيئة الله كما قال تعالى: {لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٩)} [التكوير: ٢٨ - ٢٩]، ففعل العبد فعل له حقيقة؛ ولكنه مخلوق ومفعول لله تعالى، وهناك فرق بين الفعل والمفعول، والخلق والمخلوق. يُنظر: شرح العقيدة الطحاوية (٢/ ٦٣٩ - ٦٥٢)؛ تقريب التدمرية (ص: ١١٢)؛ الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب (١/ ٨٩ - ٩٠).
(٢) الضروري في أصول الفقه (ص: ٥٣).
(٣) المرجع السابق.

<<  <   >  >>