للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• القسم الثاني: أمثلة لورود استدراكات بغير أداة الاستدراك (لكن):

• الآية الأولى:

قال تعالى: (* إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِ أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (٢٦)) [البقرة: ٢٦].

• بيان الاستدراك:

ذكر ابن عباس في سبب نزول هذه الآية: أنه لما نزل قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ) [الحج: ٧٣] فطعن في أصنامهم، ثم شبه عبادتها ببيت العنكبوت؛ قالت اليهود: أي قدر للذباب والعنكبوت حتى يضرب الله المثل بهما؟ ! فنزلت هذه الآية. (١)

فتركوا التأمل والاعتبار فيما قيل لهم، وأخذوا في ظاهر التمثيل بالذباب والعنكبوت من غير التفات إلى المقصود، فقالوا: (مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا)، فأخبر الله تعالى عن الحقيقة السابقة فيمن شأنه هذا بقوله: (يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا)، ثم استدرك البيان المنتظر بقوله: (وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ)؛ نفيًا لتوهم من يتوهم أنه أنزل بقصد الإضلال لقوم والهداية لقوم، أي: هو هدى كما قال أولًا: (هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) [البقرة: ٢]؛ لكن الفاسقين يضلون بنظرهم إلى غيرهم المقصود من إنزال القرآن، كذلك هو هدى للمتقين الذين ينظرون إلى صوب الحقيقة فيه، وهو الذي أنزل من أجله. (٢)


(١) التفسير الكبير (٢/ ١٢٢).
(٢) يُنظر: الموافقات (٣/ ٥١٤ - ٥١٥).

<<  <   >  >>