للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• الآية الثانية:

قال تعالى: (وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (٧٨) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا) [الأنبياء: ٧٨ - ٧٩].

• بيان الاستدراك:

تحاكم إلى داود - عليه السلام - رجلان؛ أحدهما: صاحب حرث، والآخر: صاحب غنم، فرعت الغنم ليلاً في الحرث، فلم تبق منه شيئًا، فقضى فيه داود - عليه السلام -: بأن الغنم تكون لصاحب الحرث؛ نظرًا إلى تفريط صاحبها، فعاقبه بهذه العقوبة.

فلما خرج الخصمان على سليمان - عليه السلام - فقال: بمَ قضى بينكما نبي الله داود؟ قالا: قضى بالغنم لصاحب الحرث. فقال: لعل الحكم غير هذا، انصرفا معي، فأتى أباه فقال: يا نبي الله، إنك حكمت بكذا وكذا، وإني رأيت ما هو أرفق بالجميع. قال: وما هو؟ قال: ينبغي أن تدفع الغنم إلى صاحب الحرث، فينتفع بألبانها وسمونها وأصوافها، وتدفع الحرث إلى صاحب الغنم ليقوم عليه، فإذا عاد الزرع إلى حاله التي أصابته الغنم في السنة المقبلة؛ رد كل واحد منهما ماله إلى صاحبه. فقضى داود بما قضى به سليمان (١).

فاستدرك سليمان على داود - عليهما السلام - في حكمه الثابت بالاجتهاد، وهذا يدل على أن الاستدراك كان مشروعًا في شرعهم، وشرع من قبلنا شرعٌ لنا ما لم يرد نسخه، ولم يرد نسخه؛ بل ثبت الاستدراك في شرعنا من فعله - صلى الله عليه وسلم - (٢)؛ فدل ذلك على مشروعية الاستدراك.

قال القرطبي (٣) في تفسيره للآية: "وقال الجمهور: إن حكمهما كان باجتهاد ...


(١) يُنظر: زاد المسير (٥/ ٣٧١)؛ الجامع لأحكام القرآن (١١/ ٣٠٢ - ٣٠٨)؛ تفسير السعدي (ص: ٥٢٨)
(٢) وسيأتي قريبًا ذكر أمثلة لاستدراكه - صلى الله عليه وسلم -.
(٣) سبق ترجمة القرطبي (ص: ٣٢٥).

<<  <   >  >>