للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ليس للمعترض أن يلزم المعلل ما لا يقول به إلا النقض والكسر على قول من التزمهما، فأما بقية الأدلة - مثل: المرسل، ودليل الخطاب، والقياس، وقول الصحابي - فلا يجوز أن يلزمه ذلك وهو يعتقد فساده" (١).

وجاء في موضع آخر: "وأما المستدلُّ إذا استدلَّ بما هو دليل عند مُناظرِه فقط؛ فهو في الحقيقة سائلٌ معارضٌ لمُناظرِه بمذهبه، وهو سؤالٌ واردٌ على مذهبه، وهو استدلالٌ على فسادِ أحدِ الأمرين؛ إما دليله أو مذهبه، فينبغي أن يعرف وجوه الأدلة والأسئلة، وهذا في الحقيقة استدلال على فساد قولِ المنازع بما لا يستلزم صحة قول المستدِل بمنزلة إظهار تناقضه، وهو أحد مقاصد الجدل" (٢).

وأذكر لتقرير ذلك الأمثلة التالية:

• المثال الأول:

قال ابن حزم: "وقال بعضهم: هذا قياس منكم؛ فإنكم ترومون إبطال القياس بالقياس، فأنتم كالذين يرومون إبطال حجة العقل بحجة العقل!

قال أبو محمد: فيقال لهم - وبالله تعالى التوفيق -: لم نحتج عليكم بهذا تصويبًا منا له، ولا للقياس، لكن أريناكم أن قولكم بالقياس ينهدم بالقياس، ويبطل بعضه بعضًا، وليس في العالم أفسد من قول من يفسد بعضه بعضًا، فأنتم إذا أقررتم بصحة القياس فنحن نلزمكم ما التزمتم به، ونحجكم به؛ لأنكم مصوبون له، مصدقون لشهادته، وهو قولكم بالفساد، وعلى مذاهبكم بالتناقض أقررتم به أو أنكرتموه، وأما نحن فلم نصوبه قط ولا قلنا به، فهو يلزمكم ولا يلزمنا، وكل أحد فإنما يلزمه ما التزم ولا يلزم خصمه. كما أن أخبار الآحاد المتصلة بنقل الثقات لازم لنا للاحتجاج بها علينا في المناظرة، ولا نلزم من أنكرها، فمن ناظرنا بها لم ندفعه


(١) (ص: ٢٨٨)؛ ويُنظر: التمهيد لأبي الخطاب (٤/ ١٨٠).
(٢) المسودة (ص: ٢٨٩).

<<  <   >  >>