فاستدرك عليه الخصم بقوله:"فإن قيل: ما أنكرت أن يكون حقيقة في كل واحد من ذلك، وأن الواجب إذا كان كذلك جاز حمله على الندب والإباحة حتى تقوم دلالة الإيجاب؛ لأن ما صلح للإيجاب ولغيره لم يجز أن يجعله واجبًا إلا بدلالة غير اللفظ، أو نقف فيه حتى تقوم دلالة المراد؛ إذ لم يجز أن يتناول جميع هذه الوجوه في حال واحدة لتضادها".
فاستدرك الجصاص على الخصم باستخدام التمثيل فقال:"قيل له: حقيقة الأمر أنه للإيجاب بما قد دللنا عليه في الباب الذي قبله، ولو سلمنا لك ما ادعيته من الحقيقة في كل واحد من هذه الوجوه لكان حمله على الإيجاب أولى؛ وذلك لأن المباح: ما لا يستحق بفعله الثواب، ولا بتركه العقاب، والندب: ما يستحق بفعله الثواب، ولا يستحق بتركه العقاب، ففيه زيادة معنى على المباح، والواجب: ما يستحق بفعله الثواب، وبتركه العقاب، ففيه زيادة حكم على الندب.
فلو سلم لك أن اللفظ حقيقة في جميع هذه الوجوه كان الأولى حمله على الوجوب؛ لأنه أكثر ما يتناوله ويقتضيه، وهو يفيد هذه المعاني فيه حقيقة. كما أن لفظ العموم وإن كان حقيقة في الثلاثة فما فوقها؛ نحو قوله تعالى:{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ}[التوبة: ٥]؛ كان الواجب حمله على أكثر ما يتضمنه ويقتضيه، ولم يجز الاقتصار به على الأقل إلا بقيام الدلالة. كذلك لفظ الأمر إذا كان يفيد الإيجاب حقيقة فقد تضمن وروده استيعاب جميع ما تعلق به من الحكم فلا جائز الاقتصار به على البعض ... " (١).
• بيان الاستدراك:
استدرك الجصاص على دعوى الخصم بأن صيغة (افعل) للإيجاب والندب والإباحة على الحقيقة بقياس التمثيل، فقاس لفظ الأمر على لفظ العموم، بجامع