للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الله شيء إلا بلسان العرب، ووجد قائل هذا القول من قبل ذلك منه تقليدًا له، وتركًا للمسألة عن حجته، ومسألة غيره ممن خالفه، وبالتقليد أغفل من أغفل منهم والله يغفر لنا ولهم، ولعل من قال: إن في القرآن غير لسان العرب، وقُبِلَ ذلك منه؛ ذهب إلى أن من القرآن خاصًّا يجهل بعضه بعض العرب، ولسان العرب أوسع الألسنة مذهبًا، وأكثرها ألفاظًا، ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسان غير نبي؛ ولكنه لا يذهب منه شيء على عامتها؛ حتى لا يكون موجودًا فيها من يعرفه، والعلم به عند العرب كالعلم بالسنة عند أهل الفقه، لا نعلم رجلاً جمع السنن فلم يذهب منها عليه شيء، فإذا جمع علم عامة أهل العلم بها أتى على السنن، وإذا فرق علم كل واحد منهم ذهب عليه الشيء منها، ثم ما كان ذهب عليه منها موجودًا عند غيره" (١).

كما أن الإمام الشافعي كان يعرض أقوال المخالفين له في الرأي مؤيدة بأدلتهم، ثم يستدرك عليها بالنقض في أسلوب العلماء، ولهجة الحكماء (٢). فكانت استدراكاته ومناظراته بيانًا للحق، ونصحًا للخلق، وظهر ذلك جليًا في موضوع إثبات خبر الواحد، ورد كل أصل يخالفه.

ومما سبق أستطيع القول بأن نشأة الاستدراكات الأصولية كانت مع أول نشأة الأصول، فكان الاستدراك طريقةً معتبرةً في تقرير القواعد، وبيان المعاني الأصولية وإيضاحها.


(١) يُنظر: الرسالة (ص: ١٢٨).
(٢) يُنظر: المرجع السابق (ص: ٨٥).

<<  <   >  >>