للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في بداية حياته العلمية، فكان في أكثر الكتاب يتبع آراء القاضي الباقلاني؛ إلا أن هذا لم يمنعه من الاستدراك عليه في بعض المواطن؛ فمن ذلك مثلاً: قوله في (باب العموم والخصوص) بعد أن ذكر أن العموم والخصوص لا يتحقق إلا في الأقوال، وأما الأفعال فلا يتحقق فيها العموم: "فإذا قال القائل: حكم الله تعالى في قطع السارق [عامًّا] (١) في كل سارق.

قيل له: إن لم ترد بالحكم كلام الله تعالى فلا يتحقق فيه عموم؛ فإن كل سارق يختص بما خصص به من الحكم، وما أثبت له منه لم يثبت لغيره؛ بل أثبت لغيره مثله.

واعلم أن هذا إنما يشتمل على مذهب من لم يصرف الأحكام إلى كلام الرب، وقد قدمنا في باب مفرد انصراف الأحكام إلى الكلام، وهذا مما يتصور فيه العموم والخصوص.

والقاضي أطلق القول بأن العموم لا يتحقق في الأحكام (٢)،

وهذا مدخول عندي؛ للأصل الذي ذكرته من انصراف الأحكام إلى القول الذي يعم ويخص، ولعله - رضي الله عنه - قال بما قال على مذهب الصائرين إلى أن الأحكام راجعة إلى أوصاف الأنفس (٣)،


(١) لعل الصواب عام؛ لأن موقعه الإعرابي خبر مرفوع، وأشار إلى ذلك محقق التلخيص فقال: "كذا في الأصل، ولعل الصواب (عام) ". يُنظر: هامش رقم (١) من التلخيص (١/ ٩).
(٢) اختلف الأصوليون في العموم هل يتحقق في الأحكام الشرعية على قولين:
القول الأول: أن الأحكام الشرعية خاصة بمن قضيت لهم، فلا يتحقق فيه العموم. وهذا اختيار القاضي الباقلاني.

القول الثاني: ذهب إليه إمام الحرمين والجصاص وابن القشيري إلى أنها عامة. يُنظر: البرهان (١/ ٣٧٠ - ٣٧١)؛ أصول البزدوي مع شرحه كشف الأسرار للبخاري (١/ ٩٤ - ١٠١)؛ أصول السرخسي (١/ ١٢٥)؛ البحر المحيط (٣/ ٩).
(٣) أي إلى صفات النفس، فالمراد: أن قطع السارق وصف يرجع إلى ذات السرقة، وذات السرقة فعل، والعموم لا يكون في الأفعال.

<<  <   >  >>