للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كتاب الموافقات الاستدلال على كون أصول الفقه قطعية (١)، فلم يأتِ بطائل.

وأنا أرى أن سبب اختلاف الأصوليين في تقييد الأدلة بالقواطع: هو الحيرة بين ما ألِفُوه من أدلة الأحكام، وما راموا أن يصلوا إليه من جعل أصول الفقه قطعية كأصول الدين السمعية؛ فهم قد أقدموا على جعلها قطعية، فلما دوَّنوها وجمعوها ألفَوْا القطعي فيها نادرًا ندرةً كادت تذهب باعتباره في عداد مسائل علم الأصول، كيف وفي معظم أصول الفقه اختلاف بين علمائه؟ ! فنحن إذا أردنا أن ندون أصولاً قطعية للتفقه في الدين حق علينا أن نعمد إلى مسائل أصول الفقه المتعارفة، وأن نُعِيدَ ذوبها في بوتقة التدوين، ونعيرها بمعيار النظر والنقد؛ فننفي عنها الأجزاء الغريبة التي غلثت (٢) بها، ونضع فيها أشرف معادن مدارك الفقه والنظر، ثم نعيد صوغ ذلك العلم ونسميه (علم مقاصد الشريعة)، ونترك علم أصول الفقه على حاله تُستمَدُّ منه طرق تركيب الأدلة الفقهية، ونعمد إلى ما هو من مسائل أصول الفقه منزو تحت سُرَادِق مقصدنا هذا من تدوين مقاصد الشريعة، فنجعل منه مبادئ لهذا العلم الجليل: علم مقاصد الشريعة" (٣).

وقال في موضع آخر من كتابه في نفس الموضوع: "وأبو إسحاق الشاطبي حاول في المقدمة من كتابه عنوان التعريف (٤) طريقة أخرى لإثبات كون أصول الفقه قطعية، وهي طريقة لا يوصل منها إلا قوله: (الدليل على ذلك: أنها راجعة إلى كليات


(١) يُنظر كلام الشاطبي واحتجاجه لكون أصول الفقه قطعية في: الموافقات (١/ ١٧ - ٢٤).
(٢) الغلث: الخلط، غَلَثْتُ الشيء بغيره غلثًا: خلطته به. يُنظر: الصحاح (ص: ٧٨١)؛ المصباح المنير (٢/ ٤٥٠) مادة: (غلث).
(٣) مقاصد الشريعة الإسلامية لابن عاشور (ص: ١٧٢).
(٤) المراد به: كتاب الموافقات؛ فإن الشاطبي لأجل ما أودعَ فيه من الأسرار التكليفية المتعلقة بهذه الشريعة الحنفية رغب في تسميته بـ (عنوان التعريف بأسرار التكليف)، ثم عدل عن هذه التسمية إلى (الموافقات) لرؤيا بعض أصدقائه. يُنظر: الموافقات (١/ ١٠ - ١١).

<<  <   >  >>