للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا كما يقال: فلان يتبع فلانًا في سجيته، والمراد به: أنه يفعل مثل فعله، والذي يحقق ذلك أنه لم ينقل عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يتبع شرائع إبراهيم، ويتحسس عن أحكامه وموجبات ملته، ولو كان المضي بالاتباع في الآية ما قلتموه لبذل كنه مجهوده في العثور على ملة جده - صلوات الله عليهما-.

ثم نقول: إنما المضي بالاتباع ما صار إليه أهل التفسير وأئمة التأويل، وهو تجنب الإشراك وإيثار التوحيد (١)، وهو المضي بقوله تعالى: {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِ‍يمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة: ١٣٠] " (٢).

• المثال الثاني:

ذكر الرازي في مسألة (هل يجوز أن يشتمل القرآن على ما لا يعلم معناه؟ ) (٣) قول الخصم (٤): "واحتج المخالف بأمور:

أحدها: أنه جاء في القرآن ما لا يفيد؛ كقوله: {كهيعص} [مريم: ١] وما يشبهه، وقوله: {كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} [الصافات: ٦٥]، وقوله: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: ١٩٦]، فقوله: {عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} لا يفيد فائدة زائدة، وقوله: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} [الحاقة: ١٣]، وقوله: {لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} [النحل: ٥١] " (٥).


(١) يُنظر: تفسير مقاتل بن سليمان (٢/ ٢٤٣)؛ تفسير الطبري (١٤/ ١٩٣)؛ التفسير الكبير (٢٠/ ١٠٩)
(٢) التلخيص (٢/ ٢٦٧ - ٢٦٨).
(٣) ترجم له الرازي (لا يجوز أن يتكلم الله تعالى بشيء ولا يعني به شيئًا). قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ومن المتأخرين من وضع المسألة بلقب شنيع فقال: (لا يجوز أن يتكلم الله بكلام ولا يعني به شيئًا خلافا للحشوية) وهذا لم يقله مسلم أن الله يتكلم بما لا معنى له؛ وإنما النزاع هل يتكلم بما لا يفهم معناه؟ وبين نفي المعنى عند المتكلم ونفي الفهم عند المخاطب بون عظيم". يُنظر: مجموع الفتاوى (١٣/ ٢٨٦).
(٤) ذكر الرازي أن الخلاف مع الحشوية. يُنظر: المحصول (١/ ٣٨٥).
(٥) المحصول (١/ ٣٨٦).

<<  <   >  >>