للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سلمنا هذا؛ لكن يلزم منه أن يصير التقدير: (فليحذر يتسللون منكم لواذًا الذين يخالفون)، وحينئذ فيكون لفظ (الحذر) قد استوفى فاعله ومفعوله، وليس هو مما يتعدى إلى مفعولين، فيصير قوله تعالى: {أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} ضائعًا ليس له تعلُّق بما قبله ولا بما بعده (١).

فإن قيل: يكون مفعولا لأجله، فإن الحذر لأجل إصابة ذلك.

قلنا: أجاب بعضهم بأنه لو كان كذلك لوجب الإتيان باللام؛ لأنه غير مُتَّحِد به في الفاعل؛ لأن الحذر هو فعل المتسللين، والإصابة فعل الفتنة، أو فعل الله تعالى.

وهذا الجواب مردود؛ فإن القاعدة النحوية: أنه لا يجب الإتيان بالجار إذا كان المجرور (أنَّ) أو (أنْ)؛ نحو: عجبت من أنك قائم، وعجبت من أن تقوم، فيجوز حذف (من) في الموضعين؛ بل الجواب: أنه لو كان مفعولاً لأجله لكان مجامعًا للحذر؛ لأن الفعل يجب أن يجامع علته (٢)، واجتماعها مستحيل (٣) ... " (٤).


(١) الصواب في إعراب الآية: أن قوله: {الَّذِينَ يُخَالِفُونَ} فاعل، وقوله: {أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} مفعول به؛ لأن أن وما دخلت عليه في تأويل مصدرٍ تقديره: إصابتهم. يُنظر: إملاء ما من به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات (٢/ ١٦٠)؛ التبيان في إعراب القرآن (٢/ ٩٧٩).
وعلى كلام الخصم: الفاعل ضمير، وقوله: {الَّذِينَ يُخَالِفُونَ} مفعول، والفعل {فَلْيَحْذَرِ} لا يتعدى إلى مفعولين حتى يكون قوله: {أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} مفعولاً ثانيًا، وحينئذ يصير قوله: {أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} ضائعًا لا تَعلُّقَ له بما قبله ولا بما بعده.
(٢) المفعول لأجله هو علة الفعل.
(٣) قال ابن مالك في المفعول له: وهو بما يعملُ فيه متحدْ ... وقتًا وفعلاً وإن شرطٌ فُقِدْ
فالقاعدة: أنه لا بد أن يكون زمان الفعل والمفعول له واحدًا؛ فتقول: ضربت ابني تأديبًا، فالضرب والتأديب في وقت واحد. يُنظر: شرح ابن عقيل (٢/ ١٨٥ - ١٨٦).
وفي الآية يستحيل اجتماع الفعل مع المفعول لأجله؛ إذ زمان الفعل هو: الحذر، وزمان المفعول لأجله: هي الفتنة أو العذاب الأليم، فيستحيل اجتماع الحذر مع الفتنة أو العذاب الأليم؛ لما بينهما من التنافي.
(٤) يُنظر: نهاية السول (١/ ٤٠٥ - ٤٠٦).

<<  <   >  >>