للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

-منهم أبو حنيفة -: أن النهي يقتضي الصحة؛ لأن النهي يدل على التصور؛ لكونه يراد للامتناع، والممتنع في نفسه، المستحيل في ذاته، لا يمكن الامتناع منه؛ فلا يتوجه إليه النهي؛ كنهي الزَّمِن (١) عن القيام، والأعمى عن النظر، وكما أن الأمر يستدعي مأمورًا يمكن امتثاله؛ فالنهي يستدعي منهيًا يمكن ارتكابه إذا ثبت تصوره. فلفظات الشرع تحمل على المشروع دون اللغوي، فإذا نهى عن صوم يوم النحر؛ دل على تصوره شرعًا (٢) " (٣).

فاستدرك ابن قدامة على هذا القول فقال: "وقولهم: إنه يدل على الصحة بعيد جدًّا فإنهم إذا لم يجعلوه دليلاً على الفساد مع قربه منه؛ كيف يجعلونه دليلاً على الصحة؟ ! " (٤).

• المثال الثالث:

قال ابن الحاجب في مسألة (المباح هل هو مأمور به؟ ): "المباح غير مأمور به، ... وقول الأستاذ (٥): (الإباحة تكليف) بعيد".


(١) زمن الرجل زمنًا وزمانة فهو زمنٌ: أي مُبْتَلى بمرض يدوم زمانًا طويلاً. يُنظر: الصحاح (ص: ٤٥٨)؛ المصباح المنير (١/ ٢٥٦).
(٢) خلاصة دليل الإمام أبي حنيفة ومن معه: أنه لما استحال أن يقال للأعمى: لا تبصر، وللزمن: لا تَطِرْ؛ علمنا استحالة النهي عن هذه الأمور؛ لعدم تصور إمكان وقوعه، وهذا دليل على أن صحة النهي تعتمد على تصور وقوع المنهي عنه، فاقتضى ذلك أن النهي يدل على الصحة؛ ولذلك نجد الحنفية صححوا بيع درهم بدرهمين، فأثبتوا الملك في أحد الدرهمين ويرد الدرهم الآخر؛ لأن النهي يدل على الصحة، والصحة عبارة عن ترتيب الآثار والتمكن من التصرفات. يُنظر: شرح مختصر الروضة (٢/ ٤٣٤).
(٣) يُنظر: روضة الناظر (١/ ٦٠٦).
(٤) يُنظر: المرجع السابق (١/ ٦١١).
(٥) المراد به: أبو إسحاق الإسفرائيني، ومر تأويل قوله في هامش (ص: ٦٨١).

<<  <   >  >>