للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنها باعثة للشرع على الحكم كما هو مذهب [من] (١) قد بينا بطلانه (٢)، فيتناقض كلام الفقهاء وكلام المتكلمين.

وما زال الشيخ الإمام الوالد والدي - أطال الله عمره - يستشكل الجمع بين كلاميهما، إلى أن جاء ببديع من القول فقال - في مختصر لطيف كتبه على هذا السؤال وسماه: ورد العلل في فهم العلل (٣) -: (لا تناقض بين الكلامين؛ لأن المراد أن العلة باعثة على فعل المكلف؛ مثاله: حفظ النفوس فإنه علة باعثة على القصاص الذي هو المكلف المحكوم به من جهة الشرع، فحكم الشرع لا علة له، ولا باعث عليه؛ لأنه قادر أن يحفظ النفوس بدون ذلك؛ وإنما تعلق أمره بحفظ النفوس، وهو مقصود في نفسه، وبالقصاص؛ لكونه وسيلة إليه، فكلا المقصد والوسيلة مقصود للشرع. وأجرى الله تعالى العادة أن القصاص سبب للحفظ، فإذا فعل المكلف من السلطان والقاضي وولي الدم القصاص وانقاد إليه القاتل امتثالاً لأمر الله به ووسيلة إلى حفظ النفوس؛ كان لهم أجران؛ أجر على القصاص، وأجر على حفظ النفوس، وكلاهما مأمور به من جهة الله تعالى:

أحدهما: بقوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: ١٧٨].

والثاني: إما بالاستنباط وإما بالإيماء في قوله: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: ١٧٩]، وهكذا يستعمل ذلك في جميع الشريعة، ومن هنا يتبين أن كل حكم معقول المعنى فللشارع فيه مقصودان:


(١) إضافة من تحقيق الدكتور شعبان إسماعيل. يُنظر: الإبهاج بتحقيقه (٣/ ١٤٩٧).
(٢) إشارة إلى قوله: "وهو ضعيف؛ لاستحالته في حق الله تعالى ... ". يُنظر: الإبهاج (٦/ ٢٢٨٦).
(٣) قال حاجي خليفة: "ورد العلل في فهم العلل للشيخ تقي الدين علي ابن عبدالكافي السبكي (ت: ٧٥٦ هـ) " لم يذكر زيادة على ذلك: يُنظر: كشف الظنون (٢/ ٢٠٠٥). وذكره ابن السبكي في طبقاته عندما ترجم لوالده. يُنظر: طبقات الشافعية لابن السبكي (١٠/ ٣١٢).

<<  <   >  >>