للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- استدراك الأصولي على نفسه، ففيه تعديل لقوله السابق.

وقد سبق ذكر أمثلة للاستدراكات كانت سببًا لإعادة صياغة العناوين (١) والحدود (٢) والترتيب (٣) في المسائل الأصولية. كما مرت أمثلة لاستدراكات الأصولي على نفسه (٤) فأكتفي بها، وأذكر هنا مثالاً لاستدراك إعادة صياغة القاعدة الأصولية، وهو ما نقل عن أئمة المذهب الحنفي: أن رجلاً لو قال: أوصيتُ بداري لموالي، ومات قبل البيان؛ بطلت الوصية.

ففهم المتأخرون من الحنفية أن البطلان جاء من جهة أن لفظ (الموالي) مشترك بين العبيد الذين أعتقهم الموصي، والأسياد الذين أعتقوا الموصي؛ فالموصى له غير معين، ويشترط لصحة الوصية أن يكون الموصى له معينًا، وفوات الشرط يترتب عليه فوات المشروط، فتكون الوصية حينئذ باطلة.

ففهم الحنفية من القول بالبطلان أن كل لفظ وضع لأكثر من معنى - وهو: اللفظ المشترك - لا يمكن أن يُراد منه كل المعاني الموضوعة له، فوضعوا القاعدة الأصولية: (المشترك لا عموم له)؛ ولكنهم بعد أن قرروا هذه القاعدة اصطدموا بفرع فقهي لا يدخل تحت القاعدة؛ وهو ما نقل عن أئمتهم فيما لو قال رجل لآخر: والله لا أكلم مولاك؛ حنث بكلام المولى الأعلى - المُعتِق - والمولى الأسفل - المُعتَق-، فالحكم بالحنث - سواء كلم المولى الأعلى أو المولى الأدنى - إنما يصح باعتبار عموم المشترك، وهذا مخالف لما تم تقريره في القاعدة الأصولية عند الحنفية: (المشترك لا عموم له)، فيستدرك الحنفية هذا ويقومون بإعادة تشكيل القاعدة الأصولية بما يوافق


(١) يُنظر: (ص: ٣٥٤ - ٣٥٩).
(٢) يُنظر: (ص: ٣٦١ - ٣٦٦).
(٣) يُنظر: (ص: ٢٢٧ - ٢٢٨)، ويُنظر كذلك (ص: ٣٠٤ - ٣٠٥).
(٤) يُنظر: (ص: ٣٣٨ - ٣٤٢).

<<  <   >  >>