للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دعوت الله أن يوفقني إلى موضوع أخدم به الأمة، وأنال به الحسنى، فأخذت أتأمل ما كتبته أيدي العلم، وخطته أنامل المعرفة، وأقلب صفحات أُودِعت خُلاصة علمهم، وروح فكرهم، أسهرت لياليهم، وأشغلت نهارهم.

وكان أول ما وجهتُ وجهي، ويممت شطري إليه: كتاب الرسالة للشافعي؛ حيثُ كان هذا العلم في أول أمره جملاً متفرقة، وعبارات مجملة؛ حتى جاء الإمام المجتهد محمد بن إدريس الشافعي فأظهر دفائنه وكنوزه، وأوضح إشاراته ورموزه؛ حتى نور بعلم الأصول دجى الآفاق، وأعاد سوقه بعد الكساد إلى نَفَاق (١).

وكان - رحمه الله - يكتب على سجيته، ويملي بفطرته، لا يتكلف ولا يتصنع (٢)، ولم يكن في عرضه للموضوعات الأصولية مسترسلاً فحسب؛ بل كان أسلوبه مزيجًا من الاسترسال والحوار، اتخذ فيه أسلوب المحاور المستدرك لمعالجة ومناقشة الموضوعات الأصولية وتقريرها.

ثم جاء علماء الأصول من بعده، فصنفوا التصانيف العديدة، وَوسعوا العبارات، وفكوا الإشارات، وبينوا الإجمال، ورفعوا الإشكال (٣).

فكان المتأخرون من العلماء يعترضون لكتب المتقدمين بالاستدراكات؛ من تعقيبات وتنبيهات وتصويبات، وهذا واضح بيِّنٌ في مصنفاتهم، ولِمَا للقول المستدرَك عليه والمستدرِك من قيمة علمية في تطوير علم أصول الفقه؛ أحببتُ أن يكون موضوعُ بحثي للدكتوراه في الاستدراك الأصولي، أحتسب العمل به طلبًا للتحصن بالعلم، وخدمةً له، ونفعًا للعباد، على هدى الدليل، وسلامة التعليل، المتسم بالتأصيل، ودقة التحليل، وجعلت عنوانه: (الاستدراك الأصولي -دراسة تأصيلية تطبيقية على


(١) يُنظر: البحر المحيط (١/ ٦).
(٢) يُنظر: تحقيق الشيخ أحمد شاكر للرسالة (ص: ١٤).
(٣) يُنظر: البحر المحيط (١/ ٦).

<<  <   >  >>