فالأصول واحدة، هي الكتاب والسنة والإجماع والقياس، أما ما فيها اختلاف من عمل أهل المدينة، وإجماع أهل الكوفة، وفتوى الصحابي، والمصحلة المرسلة، والعرف، والاستحسان، فلا تلزم مطلقا ولا ترد مطلقا.
وأما دلالات الألفاظ فمرجعها العربية، ومعرفة الصحيح والضعيف فمرجعها كتب الحديث، أما منهجية التعارض أو تقديم بعض الأدلة على بعض فأغلبه متفق عليه، والمختلف فيه ينظر في ترجيح بعضه على بعض.
وأما كون مذهب معين له أصل مستقل فلا تجد هذا إلا فيما يمكن الاختلاف عليه، أما الأصول المتفق عليها فهي معلومة، وعليها مدار الاجتهاد.
والشروط التي لا تلزم للاجتهاد لم يقل أحد من الناس أنه يشترط اتباع أصل مختلف فيه، بل هي علمه بالكتاب والسنة والأصول واللغة وعلم الحديث ومواطن الإجماع، هذه هي أصول الاجتهاد المستقل.
أما قولهم إن أي مجتهد لا يمكنه أن يأتي بقول جديد في المسألة بل يرجح، وهذا ليس اجتهادا مستقلا؛ فجوابه: أن أبا حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد كلهم سبقوا بمسائل الفقه من الطبقات التي قبلهم الى الصحابة، فقد يوافق أحد الأ ئمة ما تقدم وقد يخالفه، وليس معنى هذا أنه مجتهد غير مستقل بل المسألة لا تحتمل سوى هذه الأقوال.
فتقسيم المجتهدين إلى: مستقلين، ومطلقين، ومقيدين؛ اصطلاح تقليدي مذهبي فقط، أما الشروط المطلوبة للمجتهد المستقل فأجمع عليها أهل الأصول والفقهاء في باب الاجتهاد، فدع عنك تضيق ما وسعه الله على خلقه، فإن كنت لا ترى نفسك أهلاً لهذه المنازل فالزم التقليد؛ لأنك عامي بلا خلاف كما تقدم نقل الإجماع عن النووي، ولا تحاول دفع رحمة الله التي يفتحها على من يشاء من خلقه:{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[فاطر: ٢].