للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومنها ما كان من شريعة سابقة فلا نطيل القول في تأويله، إذ ليس بين أيدينا من بقية فروع تلك الشريعة ما يقنعنا في معرفة مخالفة مقدار الصورة الظاهرة المدعوّة عندنا بالحيلة لبقية أحكام تلك الشريعة. ومن أمثلة ذلك: إذن الله تعالى لأيوب بأن يصرب امرأته براً بيمينه. فقال تعالى: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} (١)، {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} (٢). ومن هذا قوله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة: "خذيها واشترطي لهم الولاء، فإنما الولاء لمن أعتق" (٣).

وإنه لمن الغفلة أن يقاس على مثل هذه الحيل، فتجعل أصلاً للقياس عليها، مع تحقق أن الحيلة لا تشتمل على معنى أو حكمة يصحّ القياس عليها، إذ قد اتفقنا أن الحيلة مخالفة للحكم ومفيتة للمقصد (٤).

والحيل غير المشروعة أو المحرّمة هي تقديم عمل ظاهر الجواز لإبطال حكم شرعي وتحويله من الظاهر إلى حكم آخر .. فمآل العمل فيها في الواقع خرم لقواعد الشريعة. كالواهب ماله عند رأس الحول، فراراً من الزكاة. فإن أصل الهبة على الجواز ولو منع الزكاة من غير هبة لكان ممنوعاً. فإن كل واحد منهما ظاهر أمره في المصلحة أو المفسدة. فإذا اجتمع الأمران صار مآل الهبة المنع من أداء الزكاة. وهو مفسدة (٥).

وأخذ بعضهم بمذهب البخاري، وهو رأي أهل الحديث (٦)، متوسعاً في مفهوم الحيلة: التحيّل بوجه سائغ مشروع في الظاهر أو


(١) سورة ص، الآية: ٢٤.
(٢) سورة يوسف، الآية: ٧٦.
(٣) خَ: ٣/ ٢٩؛ ٣/ ١٢٧.
(٤) المقاصد: ٣٣٤.
(٥) الشاطبي. ٤/ ٢٠١، ٢٠٢.
(٦) ابن حجر. الفتح: ١٢/ ٣٢٦ - ٣٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>